رئيس مركز العربي الإفريقي لدراسات البحثية والسياسية بمصر .
نجحت القاهرة فى إدارة مواقفها بحنكة ودأب من دون التورط العسكرى أو التدخل فى الشأن السورى الداخلى، بل وأصبح لديها منصة سياسية سورية للمعارضة من جهة، ولم تتخل عن مبدأ وحدة أراضى سوريا من جهة أخرى، هذا الموقف الشامل والمتناسق سياسيًا ودبلوماسيًا جعل القاهرة تفوز بمركز متقدم إزاء كل المناورات التى تجريها القوى الكبرى والإقليمية فى سوريا وحولها، الأمر الذى يوفر لمصر دورًا مهمًا فى تحديد مستقبل سوريا، ومشاركة ملموسة فى إعادة بنائها ومواصلة العلاقات التاريخية بين الشعبين، وكذلك دور مستقبلى فى المنطقة مع عدم تكبد خسائر فى العلاقات مع هذا الطرف أو ذاك.
الأمر الآخر والمهم، أن القاهرة لم تتورط، ولم تمارس أى تحركات صبيانية أو حملات دعائية رخيصة فى الأزمة السورية، كون مصر ترتكز إلى مبدأ عدم التوسع، والالتزام بالدفاع عن نفسها وعن حدودها المباشرة وحماية مصالحها بالطرق غير التوسعية وغير العسكرية، وكان المسار الطبيعى هو تنوع العلاقات مع كافة القوى المتورطة فى الأزمة السورية، وعدم الوقوع فى فخ التصعيد و"السخونة"، هذا إضافة إلى تنوع علاقات المصالح بين القاهرة والعواصم الأخرى، والتعامل بدقة فى المحافل السياسية والدبلوماسية.
روسيا والولايات المتحدة تنسقان فى الوقت الراهن للقاء قمة يجمع بين زعيميهما، ما يعنى أن الأمور قد تدخل إلى حيز المرونة والحلحلة على المدى المتوسط، وكل من الطرفين بدأ يهدِّئ من لهجته تجاه الآخر، معولًا على قمة هادئة تتناول الشأن الدولى ومصالح العالم، وهذا لا يعنى أبدًا أن الأزمتين السورية والأوكرانية ستحلان قريبًا، لكن المقصود هو التمهيد لتطبيع الأمور، أملا فى تحركات أوسع وأكثر مسؤولية.