تؤدي الشركات الكبرى العاملة في إقليم الجنوب أدوارا مجتمعية مهمة للغاية، ويتم توجيه الدعم المقدم من الشركات لخدمة ومساعدة المجتمعات المحلية الفقيرة، ما يسهم في تحسين المستوى المعيشي لأفرادها، وتستقل كل شركة كبرى بسياساتها وإجراءاتها فيما يسمى بالمسؤولية المجتمعية، ولا شك أن ذلك المفهوم ظهر حديثا، وبدأت تلك الشركات بتطبيقه بطرق متعددة، ونحن هنا نقدم مقترحات من شأنها أن تحقق أكبر قدر من الاستفادة للمجتمعات الفقيرة من خلال تطوير مفهوم المسؤولية المجتمعية لدى الشركات الكبرى، وعمل مأسسة ما بينها فيما يتعلق بهذا الجانب، وذلك في إطار تجويد هذا المفهوم والالتزام بالمعايير الدولية الفضلى المتعلقة به، وصولا لتوجيه الدعم لمستحقيه، وتعظيم مستوى الاستفادة منه.
تقوم كل شركة على حدة بتقديم دعم سنوي متفاوت للبلديات ومؤسسات المجتمع المدني والأفراد، ويأخذ هذا الدعم أشكالا متعددة؛ منها المادي والمالي واللوجستي أحيانا، وتلعب الواسطة وعوامل أخرى دورا كبيرا في تحديد نوع وحجم الدعم والجهة المستهدفة، ولذلك تقل فرص الاستفادة، وتتضاءل المعايير الدقيقة لدى الشركات الداعمة، وينخفض مستوى الميزة التنافسية لها؛ والتي من المفترض أن تحققها لقاء دعمها للمستحقين، كما يغيب التنسيق بين تلك الشركات التي تقدم الدعم، وقد تتلقى جهة ما دعما مضاعفا من عدة شركات فيما تحرم جهة أخرى من هذا الدعم، ويتميز هذا الدعم غالبا بسمة الارتجال والشخصنة، ولا يخضع لسلم الأولويات والاحتياجات ونقاط الضعف في تلك المجتمعات الفقيرة، ويمكن حل تلك الإشكاليات من خلال عمل مذكرات تفاهم بين الداعمين أنفسهم، واعتماد معيار دولي للمسؤولية المجتمعية، بحيث لا تحصل ازدواجية في الدعم، كما سيخضع هذا الدعم لشروط ومعايير تدعم الفكرة الإنتاجية بالدرجة الأولى - خصوصا في المناطق النائية-، وحسن التصرف بالدعم من قبل متلقيه، وتراعي الحالات الإنسانية الملحة، ومختلف الظروف، وسنصل حتما الى طريقة آمنة ومريحة؛ تمكن من توجيه الدعم لمستحقيه بكل كفاءة وفاعلية، وبذلك تترسخ القناعات بأهمية تلك الشركات ودورها الإنساني.
إن تخلي الشركات الكبرى الداعمة عن أسلوب الريع الخيري بات ضرورة ملحة حتمها الظروف القائمة، بحيث يتم تطوير نموذج مسؤولية مجتمعية يضم برامج دعم لوجستي وفني وتأهيلي في جميع المجالات، ويستهدف الفئات الأشد ضعفا مثل النساء والأطفال، والقطاعات الأشد حاجة مثل المرافق الصحية والمدارس، والمؤسسات العاملة في مجال الخدمات مثل البلديات والنوادي، وهذه أمثلة يمكن البناء عليها، وقد وصلتني وثائق توضح كيف يقوم تلك الشركات الكبرى كالبوتاس والفوسفات وشركات الطاقة وشركات التطوير، بتوزيع الدعم وتوجيهه، وقد توصلت إلى ما ذكرت في بداية المقال من غياب المعايير الدولية في ما يسمى بالمسؤولية المجتمعية.
إن الشركات الكبرى في إقليم الجنوب تجني أرباحا طائلة سنويا، ومن حق المجتمعات المحلية الاستفادة منها بنسب معقولة، وهذه الاستفادة يجب أن تلتزم بالعدالة والدقة والجودة، وهذا ما يقود الى تحسين واقع تلك المجتمعات، كما يضيف ميزة تنافسية للشركات المنتجة، وبذلك تتحقق الفائدة للجميع.