العشائرية منظومة اجتماعية متطورة ودائمة الحياة وقابلة للتعايش مع أي تقدم إجتماعي أو إقتصادي ، ويعتبر من لا يقر بأنها عنصر أيجابي ومؤثر في دعم منظومة السلم الاهلي والركب الحضاري كمن يتقي حرارة أشعة الشمس الحارقة بغربال . العشائرية واكبت مراحل سلسلة تطور الحياة البشرية ومرت خلالها في عدة محطات ، إبتدأت بمرحلة الصيد والتشاركية في كل شيء حتى وصلت الى مرحلة تكوين الكيانات والدول ، فالعرب كانوا في مرحلة ما قبل الاسلام عبارة عن قبائل دائمة الترحال تعيش في صدام ونزاع ، حتى جاء الإسلام ووحدهم وصهرهم في كيان واحد ، وأسس لهم دولة كبيرة إشطرت وللاسف فيما بعد الى عدة دول بفعل عوامل كثيرة لا يسعني المجال لذكرها هنا ، العشائرية إذن وباختصار شديد ، موروثا إنسانيا ، قديما جديدة ، لها وظيفة سياسية واجتماعية واقتصادية متصلة ، أنشأتها ظروف ومعطيات متعددة ، كمظلة حاضنة تضمن لأبنائها أمنهم وتصون وتحصن مصالحهم المختلفة ضد أي تهديد محتمل . أما الدولة فهي أم الجميع ، أسمى وظائفها تمتين وترسيخ الانتماء للوطن عبر المساواة والعدل ، وهي تفرض هيبتها بقوة الاقناع والبرهان والادارة بالقدوة ، وهي تحمي وترعى التوزيع العادل للثروات وتساوي بين مواطنيها في الحقوق
والواجبات ، وتصون كرامتهم وتصهرهم في كيان الدولة الواحدة . ومتى تفشل الدولة في فعل ذلك ، سيبدأ الفرد بالتخلي عن مسؤولياته تجاه دولته ، وسيقوم بتوجيهها نحو الولاء لعشيرته ، وعندئذ ستراه يدافع عنها بشراسة ويرجع اليها نسيا ورتعصبا ، ووقتها ستنبت مراكز قوى أخرى منافسة في المجتمع ، الامر الذي سيشكل مصدر خطر ينذر بتفككه وانقسامه وستبدأ الصراعات بالظهور بين نسيج ابنائه . ولتلافي مثل هذه الأوضاع ، فإن على الدولة أن تسخر كل قدراتها لإحقاق الحق بين الناس ، وإقناعهم بذلك ، فتجاوز القانون مثلا ، يعني المساءلة والعقوبة ، والثأر يعني حكم المحكمة ، والجاني يتحمل تعويض المجني عليه ، واشعار المظلوم بأنه القوي ضمن قالب القانون ، وأن المواطن ليس حاشية لها وانما شريك فيها العشائرية كيان غير مخيف أبدا ، وهي غير مناقضة للشعور الوطني والديني والطائفي والقومي وغيره ، إنها نسيج اجتماعي أثبت بالممارسة إمكانية التعايش مع كل المفاهيم والطروحات والأنماط الحضارية والمدنية بسلاسة ويسر ، والدولة والعشائرية في المجمل صنوانان متلازمان باعتان للأمن والأمان دائما ، ولا فوبيا ، أبدا من ظهور بعض المشاحنات والمماحكات التي هنا وهناك ، فهذه طبيعة البشر .