علَّمتنا الحياة أنَّ الميدان هو المعيار الذي يُقاس عليه صدق أقوالنا ونوايانا، فالراعي الصالح لا يرى الذئاب مقبلةً نحو خرافه ويترك الخراف ويهرب، بل يتصدى للذئاب ويشتبك معها حتى ولو كلّفه ذلك حياته.
لذلك لو أردنا أن نختبر شجاعة وعقيدة فرساننا رَاقبنا أداءَهم وسلوكهم في الميدان، فالأداء في الميدان هو عقيدة راسخة في عقول من تربوا على مبادئ راسخة، شكلت جزءاً من كيانهم ومن وجودهم من كرامتهم. لذلك فلا ضير على الفارس في الميدان أن يقدم ذاته قرباناً على مذبح الدفاع عن وطنه وشرفه وكرامته. وهكذا هي الحياة، فهي ميدان للرجولة وللشرف وللكرامة، فهناك يوجد المحَّك الحقيقي على نؤمن به وما ننادي به وما نتكلم عنه، وبخلاف ذلك، تصبح حياتنا شعارات مفرغة من المضمون الحقيقي، وما أكثر تلك الشعارات اليوم.
ولربما مجتعاتنا وأوطاننا اليوم تحتاج إلى الرجال الرجال الذي يجسِّدون في ميدان الرجولة والشرف الوفاءَ للوطنِ ولمعاييرِ الوطن الحقيقية. والدافع الحقيقي يكمن في سّر المحبة والعشق لما نؤمن به، وهذه المحبة تجد طريقها في عطائنا وفي طاعتنا حتى ولو كان على حساب راحتنا ونفوسنا ومصالحنا. فمصلحة الوطن والمصلحة العامة تفوق وتسمو على كل المصالح الشخصية والضيقة، فلا شيء يعلو على الوطن لأنه العنوان والوجود والكيان الذي يشكل حياتنا ويصوغها.
لذلك، فمن يبحث عن العظمة الحقيقية عليه أن يُظهرها في ميدان الحياة، فالميدان كفيل بأنْ يَهب النياشيين والتكريم الحقيقيين لمن يستحقها، ويعَّري أصحاب الشعارات الزائفة وذوي الوعود الكاذبة.