الإنسان تراب فمن التراب إلى التراب يعود، ومهما عَمّر الإنسانُ في حياته فمصيره أن يعود إلى الأرض التي أخذ منها. عرياناً أتى وعرياناً يعود، ودموع تلّف ولادته ودموع ترافق موته، فحبُّ الحياة قيمة ربّانية زرعها الله في نفوسنا، ولا يقدر أن يتخلى عنها إنسان وهو بكامل قواه العقلية، فعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة وما يستحق أن نعيش لأجله. وأهدافنا السامية في الحياة تجعل للحياة معنى ولذّة رغم كلِّ المنغّصات التي قد تعتصر طريقنا وأكثرها من شّر الإنسان الذي يريد احتكار الحياة لنفسه والعزّ لنفسه والجاه لنفسه والقوة لنفسه والسيطرة لنفسه، فيرى في نفسه نهاية كلِّ الأشياء ومآلها إليه.
لكن الحياة ليست كذلك، فلا تكمن في الآخذ بل في العطاء والبذل. الحياة هي نعمة وقيمة سماوية وهبها الله لنا نحن البشر، ونحن من هواة الحياة وعشقها .. وكما يقول فريد الأطرش "الحياة حلوة بس نفهمها" ولكن السؤال، هل نحن حقاً نفهم الحياة؟ وهل نفهم ما نعيش لأجله؟ وهل نفهم القيم الحلوة والجميلة التي نحملها في حياتنا؟ أم أنَّ حياتنا تسير بدفع ذاتي من غير تحديد أهداف سامية نسعى لأجلها في الحياة، والتي عندما نحصل عليها نذرف وقتها الدموع الصادقة والحقيقية لأنها دموع الفرح والإنجاز وتحقيق الذات.
خلقنا لنحيا لا لنموت، أي أن لا نققد الإتصال بحياة الروح ولو أن جسمنا له وقت للفناء. وهذا لا يهمنا لأنه وإن كان إنساننا الخارجي يفنى فالداخل يتجدد يوماً فيوماً لحياة مجيدة وخالدة أعدّها الله لمن يفهم حقاً ويعيش حقاً لقيمة ونعمة الحياة التي وضعها الله فينا.
الخوف ليس من الموت الجسدي فإنا لله وإنا إليه راجعون، من عند الله خرجنا وإلى الله سنعود، ولكنّ الخوف هو من الموت الروحي أي الإنفصال عن الله وعن ملكوته. وقيمة حياتنا البشرية أن ننادي ونبشر بملكوت الله أي سيادة الله على حياة البشر واعلاء قيمة محبته السماوية وعدالته وإحسانه ولطفه. ودعوة كلِّ إنسان اليوم أن ينادي بهذا الملكوت ويعمل لأجله كائناً من كان لأنّ الحياة هي لكل بني البشر وهي من الله لا تستقيم إلا بالقيم السماوية التي تغلّفها.
لذلك دع الموتى يدفنون موتاهم .. أي دع موتى الروح يتكفلون بموتى الجسد لأن ليس لديهم أكثر مما يقدمونه، وطبعا هذا تعبير مجازي للإشارة إلى أن حياة الروح تهتم بما هو للروح وبما هو للحياة. لذلك، لن نكّف عن زرع شجرة واضاءة شمعة حتى ولو تصحّر العالم وازاد ظلاماً.