بكل معاني الولاء والانتماء والفخر والثقة بالمستقبل يستقبل الأردنيون في الثلاثين من شهر كانون الثاني من كل عام مناسبة عزيزة على النفس، وهو يوم ميلاد قائدهم ومعزز بنيان دولتهم وانجازاتهم جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه واعز ملكه. قائدا ملهما شجاعا يقود السفينة الى بر امن مهما علا تلاطم الأمواج وكيفما سارت تعقيدات هذا الإقليم ومهما قست معاضل السياسة والاقتصاد والامن. كما نستذكر بهذه المناسبة الغالية بإجلال واكبار عظيم جهاد أجداده الهاشميون الاماجد في صياغة التاريخ العربي المشرف، وقيادة مسيرة العرب الكبرى في الوحدة والحرية والتحرر.
وتجيء هذه المناسبة في غمرة الاحتفال بمرور المئوية الأولى من عمر دولته واستقبال المئوية الثانية بكل امل في المستقبل. حيث انتهج الهاشميون خلال المئة سنة الماضية رؤيا شاملة ارتكزت على تعزيز سمعة الاردن دوليا وأصبح ينظر اليه باحترام وكنموذج ناجح في الريادة والتطور استثمر بنجاح بالموارد البشرية ورعى الشباب واستثمر في تعليمه وأكسبه المهارة والمعرفة التي تتفاعل مع المتغيرات المتسارعة ووجه حكوماته دائما الى السعي لتحقيق الرفاه للشعب وبناء المجتمع المتسامح وان تتواجد بكل المحافل الدولية بقصد تعزيز الامن والسلم الدوليين.
نذر جلالة الراحل العظيم الحسين بن طلال رحمه الله واسكنه فسيح جنانه جلالة الملك عبد الله لخدمة هذا الوطن واعده لحمل الراية فقد تعلم في أعرق الجامعات والكليات المحلية والدولية المدنية والعسكرية وتدرج في الرتب العسكرية حتى رتبة لواء وتدرج في المناصب القيادية في وحدات وتشكيلات القوات المسلحة.
ومنذ تسلم جلالته سلطاته الدستورية مضي بالأردن الى الامام بخطى ثابته يملاها الثقة والشجاعة الحكمة والتوكل على الله وبدعم الأردنيين ووقوفهم خلف قيادته الفذة الملهمة لا تثنيه الصعوبات ولا تفت في عضده التحديات التي اعتاد الأردن على مواجهتها. واستطاع بحكمته أن يقود مسيرة الأردن الخيرة المباركة وان ينهض بالأردن نهضة شاملة نحو مدارج الرقي والتطور رغم الظروف الصعبة والأخطار والأعاصير التي عصفت بالأمة في أكثر من مرحلة من مراحل عمر هذا الوطن. ففتح الدستور لتعديلات واسعة وانشئت المحكمة الدستوريه وتاسست الهيئة المستقلة للانتخاب وصدر قانون اللامركزية وانتخبت مجالس المحافظات وأطلق سلسله من الاوراق النقاشية سعى من خلالها الى تحفيز مسيرة الاصلاح الشامل بهدف بناء التوافق وتعزيز المشاركة الشعبية في صنع القرار. كما بنى جلالته في الانسان باعتباره اغلى ما نملك وطور في التعليم فتعددت الجامعات واجري لها مراجعات شملت التعليم وتنوعه ومخرجاته بجميع مراحله.
أولى جلالته القوات المسلحة كل العناية والدعم واخضعت الى مراجعات استراتيجية مستمرة لكي تبقى نموذجا بين مؤسسات الوطن ومكنها بفضل الله ورعايته بكل أسباب القوة والمنعة واستمرت بالتطور عددا وعدة وتدريبا رشيقة وسريعة في الاستجابة الى نداء الوطن ودفع العاديات عنه ساهمت وتساهم في بناء الوطن ونمائه وتحارب الإرهاب بلا هوادة ونالت حب القائد والشعب باعتبارها ام مؤسساتهم والتفوا حول رايتها باعتبارها الانموذج في التضحية والولاء والانتماء.
وامر جلالته بأنشاء قوات الدرك ولما اشتد عودها جاءت رؤيا جلالته لدمج الاجهزة الأمنية وتوحيد جهدها وتعزيز قدراتها في خدمة الوطن والانسان بقصد تكاملية الأداء فجاء تلبية الواجب سريعا متفهما لنبل القصد وجاء الإنجاز بحجم الطموح وها هي اجهزتنا الثلاث تندمج في بناء واحد محترف يؤدي الرسالة ويصون امانة المسؤولية.
لقد بنى جلالته في الاقتصاد الأردني بعزم لا يلين رغم شح الإمكانات وتوالى التحديات والمعوقات (وابرزها الربيع العربي وجائحة كورونا وتقليص حجم الدعم العربي) حيث اختلفت الأولويات الدولية والاقليميه خلال العقد الماضي الا ان الاقتصاد الأردني لا زال صامدا ولم يتعرض الى اية هزات فاستمر في تسديد أعباء ديونه والبناء في الاستثمار بالطاقة والمياه والتوظيف ودعم موارد التنمية وحافظ على سبل عيش المواطن والاستمرار في دعم موازنات التعليم والصحة وواجه التحديات الناجمة عن الإرهاب وجائحة كورونا بكل اقتدار بفضل حكمة وحنكة وشجاعة جلالته.
بقيت قضية فلسطين والمقدسات والوصاية الهاشمية أولى أولويات جلالته وواجه بكل حزم المتغيرات التي حدثت في عهد الرئيس ترامب ووقف شامخا عنيدا في وجه سياسته العنصرية الرامية الى تهويد القدس والوطن البديل وحل مشكلة اللاجئين على حساب الأردن وقاوم الضغوطات الكبيرة وابقى جلالته الباب مفتوحا لكل الاحتمالات مما أوقف جميع السياسات الرامية لضم أراضي فلسطينية وتصفية القضية الفلسطينية وانه لا حل الا حل الدولتين والوصول الى دولة فلسطينية مستقلة موحدة وقابلة للحياة.
وفي الختام فإننا احوج ما نكون في هذه الأيام المليئة بالتحديات الى تعظيم نهج التفاؤل بالمستقبل والابتعاد عن التشاؤم. متسلحين بالصبر والعزيمة مؤمنين برؤى جلالته الإصلاحية لبناء الاردن المستقر المزدهر مؤمنين بان عملية الاصلاح الشامل في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية خيار استراتيجي تتطلبه مصالح الاردن لبناء المستقبل على النحو الامثل بإرادة حازمه تنتظر منا جميعا الالتفاف حولها. وعلينا ان نؤمن بان احتفال الشعوب برموزها هو في باب اثبات الطاعة والمحبة. وهي حالة تواصل اجتماعي وثقافي واخلاقي وعقائدي تعزز ثقة الشعب بالقائد والتفاف الامه حول رايتها وصونا لنواميسها وسيادة لقوانينها وحفظا لأمنها وتعزيزا لوحدتها وترابطها وتعاضدها فالشعوب تصنع رفاهها بسواعدها وعرقها وحبها للحياة وتتقاسم مقدراتها بالإنجاز والعمل والعدل بعيدا عن ثقافة التشكيك وتوتير المجتمعات والتنكر للإنجازات.
حمى الله الوطن وقائده وولي عهده الأمين وهذا الشعب ومؤسساته وقواته المسلحة (الجيش العربي) واجهزته الأمنية. وكل عام والاردن وقائده وشعبه بألف خير. (رب احفظ الأردن وطنا امنا وارزق اهله من الطيبات إنك على كل شيء قدير).