حين ينزل الجيش إلى الشوارع , بعض الأشياء تختفي , لأول مرة أشعر بأن الجيش يشبه الدواء .... نعم هو دواء لأمراضنا الإجتماعية , لوجعنا , لقلقنا ..لكل شيء .
حين ينزل الجيش على الشوارع فلا أحد سيجرؤ على رمي الشيفرة السحرية , التي كانت ترمى في الأيام الغابرة علينا حين نقف عند الإشارة الضوئية : (انت عارف مين انا ؟) ...هل يجرؤ أحد أن يقول للجيش هذه الكلمة ؟
ولن تجرؤ نمرة حكومية , ولا نمرة نيابية ..على إعطاء الضوء , والإنطلاق بالسيارات الفارهة من أمامنا وبسرعات جنونية , تشعرك أن من يمتطي السيارة هو فوق الناس وليس منهم .
حين ينزل الجيش للشارع , يختفي أبناء الذوات تماما , زمان قبل الكورونا ..حين كانوا يصطدمون بسياراتنا ..كانت مكالمة واحدة مع (البابا) كفيلة بإنهاء الوضع , فالسائق يأتي (والبودي جارد ) يأتي , وأبناء العمومة يأتون ...كلهم لمكان الحادث , وتقف وحدك من دون عزوة , كي تجابه سخطهم , فأنت لست من أبناء الذوات ...ماذا سيقولون للجيش الان هل يجرؤ واحد منهم على القول : (بدي احكي مع بابا) ؟
حين ينزل الجيش للشارع , تشعر أن الشارع ينصفك ...فالشوارع هي الأخرى تظلم , كانت تتعاطف السيارات الفارهة , وتحس أن الإشارات تفتح وحدها للصبايا الجميلات اللواتي يركبن سيارات , ثمن الواحدة منها أكبر من ثمن الأرض التي أورثها جدي لأبي ومن ثم أورثني أبي اياها ...تشعر أن تكلفة متر من الحديد في السيارة , بثمن (20) دونم من ميراثك ...
حين ينزل الجيش للشوارع تنعدل كفة الميزان , فعمال الوطن هم الوحيدون المصرح لهم بالمشي ..لباسهم طهر , وعرقهم فيه من الكرامة أطنان , وهذا الإتساخ الذي تراه على أطراف (الجاكيت) الخاص بأمانة عمان , صدقوني أنه ليس اتساخا ..ولكنه هوية لشرف المهنة , لصدقها ونبلها ...هم الوحيدون الذين يمرون ويلقي ضباط وأفراد الجيش عليهم التحية , وشعار أمانة عمان على صدورهم , ربما أنبل من شعار (نوبل للسلام) ..فهم على الأقل , لايديرون عملهم من خلف المكاتب , بل يديرونه بعضلات أيديهم , وبالصبر النبيل ...
حين ينزل الجيش للشوارع , لن تجرؤ (سالي) التي أزعجتنا بكلبها المهجن ولباسها الفاضح على المرور بين الأرصفة , وسلب قلوب العشاق الذين تسلب قلوبهم ....والذين أمضوا الحياة بين العشق والعشق , ولن يجرؤ (فتوة) أو (أزعر) على وضع (الأرجيلة) أمامه والجلوس على الرصيف وتحدي الذوق العام , أو تحدي حرمات الشوارع ..
حين ينزل الجيش للشوارع , صدقوني أنه يداوي أمراضنا الإجتماعية , وهي أخطر من الكورونا ..فالجيش لايقيم وزنا لأرقام السيارات الثمينة وأنواعها , بل يقيم الوزن للوطن والتراب الحر , وصدقوني أن الجيش لا يقيم وزنا لم يمشي في الأرض مرحا ويظن أن أنفه يطال السماء , الجيش يكسر أنوف من يطلون على الناس بفوقية , والجيش يحب الذين يشبهون سمرته ..ويحب الزنود التي تشبه زنوده فقط ..
حين ينزل الجيش للشوارع , هو لا يحمينا من الكورونا , بل يحمينا من أمراض توطنت فينا واستشرت , وانتشرت ..وغيرت أنفس الناس , عاش الجيش ..وعاشت كل نفس وكل روح وكل مهجة أحبت الجيش ..وغنت له .