نيروز الإخبارية : في عامٍ اتسم بتعقيدات مناخية وضغوط اقتصادية متزايدة على القطاع الزراعي، نجحت مؤسسة الإقراض الزراعي في ترسيخ موقعها كأحد أهم الأذرع التمويلية الداعمة للأمن الغذائي الوطني، مستندة إلى رؤية مؤسسية واضحة، جعلت من عام 2025 محطة فارقة في تاريخ المؤسسة من حيث حجم الإقراض، ونوعية البرامج، واتساع قاعدة المستفيدين، وتكامل البعد التنموي مع الاستدامة المالية.
وخلال حديثٍ لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أكد مدير عام المؤسسة المهندس محمد البلاونة، أن ما تحقق في عام 2025 لم يكن أرقامًا مجردة، بل انعكاسًا مباشرًا لسياسات تمويلية مرنة، وانحيازا واضحا لصغار المزارعين، والمرأة الريفية، والشباب، بوصفهم الركيزة الأساسية للاقتصاد الزراعي الأردني.
وأوضح أن المؤسسة واصلت دورها كذراع تمويلي متخصص للقطاع الزراعي، حيث ضخت خلال العام تمويلات بملايين الدنانير لدعم المشروعات الزراعية الصغيرة والمتوسطة، شملت الإنتاج النباتي والحيواني، ومشروعات التصنيع الغذائي، والخدمات المساندة، بما يعزز الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية في الريف الأردني.
وبيّنت بيانات المؤسسة تسجيل ارتفاع ملموس في حجم الإقراض، إذ بلغت قيمة القروض الممنوحة خلال الربع الثالث وحده نحو 17 مليون دينار أردني، استفاد منها أكثر من 3200 مزارع ومزارعة، مع حضور لافت للمرأة الريفية التي شكّلت ما يزيد على 64 بالمئة من إجمالي المستفيدين.
ولم تغفل المؤسسة، بحسب البلاونة، القطاعات الأكثر تضررًا من التغيرات المناخية وارتفاع الكلف، وفي مقدمتها الثروة الحيوانية، حيث جرى تخصيص برامج قروض ميسرة وبدون فوائد لمربي الأغنام والأبقار، لمساعدتهم على مواجهة ارتفاع أسعار الأعلاف وتداعيات الجفاف، إلى جانب تمويل مشروعات حصاد المياه وتحسين كفاءة استخدام الموارد الطبيعية.
وأشار إلى أن قيمة القروض بدون فوائد خلال عام 2025 تجاوزت 10 ملايين دينار أردني، استفاد منها نحو 12885 مزارعًا، في خطوة عززت قدرة المزارعين على الاستمرار والإنتاج دون أعباء مالية إضافية، ورسخت البعد الاجتماعي في عمل المؤسسة.
وفي سياق تطوير سلاسل القيمة، أكد البلاونة أن المؤسسة وسّعت تمويلها للمشروعات ذات القيمة المضافة، لا سيما المرتبطة بمرحلة ما بعد الحصاد، كالتخزين البارد، والتعبئة والتغليف، والتصنيع الزراعي، بما يسهم بتقليل الفاقد الزراعي ورفع تنافسية المنتج المحلي في الأسواق.
وعلى مستوى الشراكات، كشف البلاونة عن تعزيز التعاون مع جهات وطنية ودولية، أبرزها إطلاق مبادرة ائتمانية مشتركة مع برنامج الأغذية العالمي (WFP)، تستهدف دعم الزراعة المستدامة وتمكين صغار المزارعين، خصوصًا الشباب والنساء، من خلال أدوات تمويل مبتكرة، إلى جانب تبادل الخبرات مع مؤسسات تمويل زراعي عربية ودولية.
وشدد البلاونة على أن مؤسسة الإقراض الزراعي تعتمد على ذاتها في تمويل عملياتها، وهو ما شكّل أحد أسرار نجاحها واستدامتها، إلى جانب مرونتها العالية في التعامل مع المزارعين، موضحا أن المؤسسة، وعلى امتداد تاريخها، لم تسجل سوى نحو 1500 قضية بحق غير الملتزمين بالسداد، بهدف الحفاظ على المال العام، كما أن جميع المدعى عليهم توجهوا لاحقًا للمؤسسة وأجروا تسويات عادلة.
كما أشار إلى أن المؤسسة فتحت المجال أمام استعادة الأراضي التي جرى استملاكها من غير المسددين، لافتًا إلى وجود 46 حالة وصلت فيها الإجراءات إلى طريق مسدود، فيما تمكنت 10 حالات من استعادة أراضيها بعد التوصل إلى تسويات مرضية مع المؤسسة.
وفي إطار تعزيز الحماية الاجتماعية، أوضح البلاونة أن المؤسسة استحدثت منذ بداية عام 2024 خدمة التأمين على الحياة للمزارعين المقترضين، حيث بلغ عدد المؤمنين على قروضهم نحو 25 ألف مزارع، واستفادت 41 حالة وفاة من هذه الخدمة، بما خفف الأعباء عن أسرهم.
كما جرى إنشاء حساب خاص للحالات الإنسانية الملحة لغير المشمولين بالتأمين، ضمن إطار المسؤولية الاجتماعية للمؤسسة، ويُموّل هذا الحساب من عوائد الاستثمار.
وعلى صعيد التخطيط المستقبلي، كشف البلاونة أن مجلس إدارة المؤسسة أقر موازنة عام 2026 بقيمة 70 مليون دينار أردني، بزيادة نحو 10 بالمئة عن العام السابق، في مؤشر على الثقة بأداء المؤسسة وقدرتها على التوسع ومواكبة التحديات الاقتصادية والبيئية.
وقال المزارع نضال مريان من قرية النعيمة في محافظة إربد، أحد النماذج الناجحة الممولة من مؤسسة الإقراض الزراعي، إن المؤسسة منحته قرضًا بقيمة 10 آلاف دينار، مكّنه من استئجار خمسة دونمات زراعية والبدء بزراعة محصول الكركم، مشيدًا بدور المؤسسة في تمويل المشروع ومساعدته في تسويق المنتج من خلال مهرجانات وبازارات مختلفة.
وبيّن أن العوائد التي حققها من زراعة الكركم مكّنته من تسديد القرض وأجور الأراضي الزراعية، مشددا على أن دعم مؤسسة الإقراض شكّل نقطة تحول في مسيرته الزراعية، ومنحه ثقة حقيقية بالاستثمار في محاصيل غير تقليدية ذات قيمة اقتصادية عالية.
من جانبه، أكد البلاونة أن قصة نضال مريان ليست استثناءً، بل واحدة من عشرات النماذج المشرفة لمزارعين أردنيين استطاعوا، بدعم المؤسسة، تحويل القروض إلى مشروعات منتجة ومستدامة، تسهم في تعزيز الأمن الغذائي وتوفير فرص العمل في الريف.
ويخلص حصاد عام 2025 إلى أن مؤسسة الإقراض الزراعي لم تكن مجرد جهة تمويل، بل شريكًا تنمويًا حقيقيًا للمزارع الأردني، استطاعت عبر سياسات ذكية وتوازن دقيق بين البعد الاقتصادي والاجتماعي، أن ترسخ نموذجًا وطنيًا في دعم الزراعة المستدامة، وتؤكد أن الاستثمار في المزارع هو استثمار مباشر في استقرار الوطن وأمنه الغذائي.