في قريةٍ هادئةٍ على سفح الجبل، كان هناك حكيمٌ عُرف عنه أنه يرى ما وراء الأشياء، ويقرأ في أعماق القلوب كما يقرأ الناس في الكتب. اعتاد الشباب زيارته كلما ضاقت بهم الحال وكثرت عليهم التحديات والصعوبات.
وفي صباحٍ مشرق جاءه شابٌ يُدعى "سليم”، كان يمسك بدفترٍ فارغ، مرتبك جدا ويتنقّل نظره بين الأرض والسماء كأنه يبحث عن شيء ضائع.
اقترب من الحكيم وقال بصوتٍ يحمل قلقًا واضحًا:
"يا شيخ، أريد أن أبدأ شيئًا في حياتي… مشروعًا، حلمًا، طريقًا… لكنني لا أعرف من أين أبدأ كل شيء يبدو كبيرًا، وأنا أشعر أني صغير.”
ابتسم الحكيم وأشار له أن يجلس، ثم أخذ حصاة صغيرة من الأرض ووضعها في كفّ الشاب.
قال الحكيم:
"انظر إلى هذه الحصاة… يظنّ الناس أنها لا تُغيّر شيئًا، لكنها حين تتدحرج من أعلى الجبل قد تُطلق انهيارًا يحرك الصخور الكبيرة. الوميض الذي تستهين به قد يشعل لك نور الطريق كله."
ثم نهض الحكيم وأخذ الشاب إلى بركة ماء، وقال له:
"ألقِ الحصاة في الماء."
فعل الشاب، وانتشرت دوائر صغيرة على سطح البركة.
سأل الحكيم:
"ماذا ترى؟"
قال سليم: "تموّجات صغيرة… تكبر وتتسع."
فقال الحكيم:
"هكذا يبدأ كل شيء في الحياة. خطوة صغيرة تُحدث أثرًا لا تراه في البداية. قد تكون قراءة صفحة، تدريب ساعة، قرارًا بسيطًا، أو حتى تغيير فكرة في داخلك. المهم أن تتحرك… فالحركة هي سرّ البداية، والبداية هي التي تصنع الفرق."
سكت قليلًا، ثم تابع بصوتٍ عميق:
"يا بُني… الناس تنتظر الظروف الكاملة، والوقت المناسب، والدعم الخارجي، والفرصة الذهبية. لكن الحقيقة أن الفرصة تولد من لحظة صغيرة تتجرأ فيها على نفسك. النور لا يأتي دفعة واحدة، بل يبدأ بوميض خافت… ثم يشتعل ليضيء الدنيا."
رفع الحكيم إصبعه نحو الجبل وقال:
"أتعلم ما الذي يمنع أغلب الشباب من النجاح؟ ليس قلّة الإمكانيات، ولا انعدام الفرص… بل كثرة التردّد. الطريق لا يُضاء إلا لمن يخطو، والخطوة الأولى هي المفتاح."
تنفّس الشاب بعمق وكأنه أدرك شيئًا لم يكن يراه من قبل، ثم أمسك دفتره وكتب في أول صفحة:
"اليوم… بدأت رحلتي."
ابتسم الحكيم وقال له:
"حين تكتب البداية، فإنك تفتح للحياة بابًا جديدًا، وكن على يقين: لا أحد يرى النور في أول الطريق، لكن كل من بدأ وحاول وصل في النهاية."
ثم التفت الحكيم إليه مرة أخرى وقال بنبرةٍ أقوى:
"إيّاك أن تتردد… فالتردد يجمّد الخطوات قبل أن تولد، ويحوّل الأحلام إلى أفكار معلّقة لا تصل إلى الأرض ولا السماء. من عرف طريقه لا يخاف من بدايته، ومن وثق بخطوته لن يعطّله الخوف ولا الانتظار."
العِبرة من هذه القصة :
أن الخطوات الصغيرة قد تغيّر مصيرك بالكامل، وأن التردّد يطفئ أحلامًا وطموحات، ومن المهم أن لا تنتظر الظروف… بل اصنعها بيدك.....البدايات البسيطة قد تصنع نهايات عظيمة جدا فلا تيأس....والضوء يبدأ بوميض… لكنه يكمل الطريق مع من يتحرك نحوه......ولا تترك التردد يغلق لك الأبواب... إسع فقط وتقدم وسترى الدنيا مقبلة.