في كثير من مؤسساتنا، أصبحنا نرى مدراء وموظفين يشغلون مناصبهم «بالاسم»، لا بالكفاءة. يستلمون كراسي الإدارة دون تطوير أو تجديد، وكأن الخبرة وحدها صكّ خلودٍ وظيفي. ومع مرور الوقت، تتحول هذه المناصب إلى عبء ثقيل على المؤسسات الحكومية والخاصة، إذ يتوقف أصحابها عن التعلم ويعيشون في قوقعة الماضي، بينما العالم من حولهم يسير بسرعة الضوء نحو الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي.
النتيجة واضحة: مؤسسات تُدار بعقليات تقليدية في زمنٍ رقمي. مدير لا يعرف ما هو الذكاء الاصطناعي، وموظف يرفض التكنولوجيا لأنه "ما تعوّد عليها”، فيتحول المكتب إلى مقبرة للأفكار الجديدة. هذه هي الشيخوخة الإدارية الحقيقية — ليست في العمر، بل في الفكر.
الأمر لا يقف عند حدود المؤسسات، بل يبدأ من المدرسة. مدارسنا وجامعاتنا ما تزال بعيدة عن روح العصر. التعليم ما زال يُكرّر ولا يُبدع، والمعلم يشرح بعقلية الثمانينات، والطالب يخرج إلى سوق العمل بجهل رقمي فاضح. دراسات محلية في الأردن أكدت أن توظيف الذكاء الاصطناعي في التعليم ما يزال محدوداً، وأن أغلب المعلمين لم يتلقوا تدريباً حقيقياً على أدواته. أما في الجامعات، فمعظم الطلاب يعرفون التطبيقات الذكية بالاسم فقط، دون أن يوظفوها في التفكير أو التحليل أو الإبداع.
وهكذا تتكوّن منظومة كاملة تعاني من "الشيخوخة": مدير لا يتطور، معلم لا يتعلم، وطالب لا يتقن أدوات المستقبل. منظومة تدور في حلقة مغلقة من الجهل الوظيفي والركود التقني. وفي النهاية، نصحو كل يوم على واقع إداري بائس لا ينتج، وتعليمٍ لا يواكب، وأجيالٍ لا تعرف أن المستقبل يُدار بالذكاء الاصطناعي لا بالأقدمية والورق.
الذكاء الاصطناعي ليس ترفاً ولا موضة، بل هو معيار البقاء. المؤسسات التي لا تتبنّاه ستتلاشى، والمدارس التي لا تدرّسه ستُخرّج أجيالاً عاجزة، والمدراء الذين لا يتعلمونه سيصبحون عالة على مناصبهم. باختصار، إما أن نتطور، أو نترك المكان لمن يستطيع أن يفكر بلغة المستقبل.