في عمق الصحراء الأردنية الجنوبية، حيث تمتد الرمال وتتعانق الجبال الحمراء مع سماء البتراء، برز اسم الشيخ عرار بن جازي كأحد أعظم رجالات الأردن وقادته العشائريين، وكأميرٍ للبتراء وشيخٍ لقبيلة الحويطات التي عُرفت بتاريخها العريق وكرمها الواسع ومواقفها الوطنية المشرفة.
ينتمي الشيخ عرار بن جازي إلى أشهر فروع قبيلة الحويطات، وهي عشيرة الجازي التي استقرت في جنوب المملكة منذ قرون، وامتازت بقيادتها الحكيمة ومكانتها بين القبائل الأردنية والعربية. كان الشيخ عرار من الرجال الذين جمعوا بين القوة والهيبة والعدل، فاستحق عن جدارة لقب "أمير البتراء"، وهو لقب منحه له السلطان العثماني تقديراً لدوره في تثبيت الأمن والنظام في المنطقة، ولما كان يتمتع به من احترام وهيبة بين القبائل.
وقد عُرف الشيخ عرار بصفاته النبيلة؛ فكان كريماً شجاعاً مقداماً، نصيراً للمظلومين ومحباً للإصلاح بين الناس، حيث كان بيته في البادية مقصداً للوفود والوجهاء من مختلف القبائل، ومكاناً لحل النزاعات العشائرية على أسسٍ من العدل والحكمة. وكان يُعد من أبرز القضاة العشائريين في زمانه، حتى صار يُشار إليه بالبنان في القضايا الكبرى والعطوات بين القبائل.
ورث ابنه الشيخ حمد بن عرار بن جازي هذا المجد وهذه الزعامة، إذ وُلد عام 1886م، ونشأ في كنف والده متعلماً أصول القيادة والحكمة. وبعد وفاة والده، تولى زعامة قبيلة الحويطات، فأصبح شيخ مشايخ القبيلة، وعُرف عنه رجاحة العقل وحنكته في القضاء والإدارة. كان الشيخ حمد بن عرار من الشخصيات الوطنية البارزة في بدايات الدولة الأردنية، حيث شارك في الثورة العربية الكبرى إلى جانب الشريف الحسين بن علي، ودعم تأسيس إمارة شرق الأردن بقيادة الأمير عبد الله بن الحسين.
كما تولى الشيخ حمد عضوية مجلس النواب الأردني في سنواته الأولى، وشارك في صياغة مواقف وطنية مشرفة، ليبقى اسمه مرتبطاً بتاريخ الأردن الحديث والعشائر الأردنية الأصيلة. وكان يُلقب بـ"قاضي القلطة"، وهو أحد أعلى الألقاب القضائية العشائرية في البادية، نظراً لدقته وعدالته في إصدار الأحكام بين الناس.
وتوفي الشيخ حمد بن عرار عام 1962م، بعد حياة حافلة بالعطاء والإنجاز، تاركاً إرثاً كبيراً من المواقف الوطنية والعشائرية المشرفة، واسمًا يلمع في صفحات التاريخ الأردني.
أما الشيخ عرار بن جازي، فقد بقيت سيرته حيّة في ذاكرة الأردنيين، فهو أحد رموز القيادة الأصيلة في الجنوب، ورجلٌ جمع المجد من أطرافه، إذ كان مثالاً في الكرم والشجاعة والوفاء. ولعل ما يميز سيرته أن أبناءه وأحفاده ما زالوا يسيرون على نهجه في خدمة الوطن والقبيلة، متمسكين بقيم الأصالة والانتماء.
لقد مثّل الشيخ عرار بن جازي نموذجاً فريداً في الزعامة العشائرية التي جمعت بين الهيبة والإنسانية، وبين السلطة والعدل، حتى صار رمزاً من رموز الجنوب الأردني، وعلماً من أعلام تاريخ البادية الذين أسهموا في بناء إرثٍ وطني خالد.
وفي زمنٍ تتجدد فيه القيم وتُروى فيه قصص الرجال الذين صنعوا المجد، يبقى اسم عرار بن جازي محفوراً في ذاكرة الوطن، أميراً للبتراء وشيخاً للحويطات، ورمزاً للأصالة الأردنية التي لا تنطفئ.