في قرية زحوم الوادعة بمحافظة الكرك، وُلد الإعلامي محمد عبد الحميد العضايلة في السادس من كانون الأول عام 1953، ليبدأ من هناك رحلة حياة غنية بالعلم والعمل والعطاء الإعلامي الذي امتد لعقود طويلة. نشأ العضايلة في بيئة ريفية بسيطة، فارتبط منذ طفولته بالأرض والناس والقيم الأصيلة، وهي القيم التي انعكست لاحقًا على خطابه الإعلامي وصوته الإذاعي الذي ظل وفيًا لقضايا الوطن والإنسان.
تلقى العضايلة تعليمه الابتدائي في مدرسة قريته، ثم واصل دراسته في مدرسة الكرك الثانوية، حيث أنهى المرحلة الثانوية عام 1972. ومع شغفه بالمعرفة وإصراره على التعليم العالي، توجه إلى العراق ليلتحق بجامعة بغداد، وهناك نال درجة البكالوريوس عام 1976. لم يتوقف عند ذلك، إذ عاد بعد سنوات ليواصل دراسته العليا، فحصل على الدبلوم العالي من الجامعة الأردنية عام 1987، جامعًا بين الدراسة الأكاديمية والخبرة العملية في مسيرته المهنية.
عقب تخرجه، عمل العضايلة لمدة أربع سنوات في وزارة التربية والتعليم، غير أن حلمه الحقيقي كان في الإعلام. حاول عام 1978 الالتحاق بالإذاعة الأردنية، وحصل بالفعل على الموافقة، لكن الظروف لم تسمح باستكمال التعيين آنذاك. ورغم ذلك، ظل يؤمن بأن العمل الإعلامي ليس مجرد وظيفة، بل رسالة وطنية تستحق الصبر والسعي.
واصل العضايلة محاولاته حتى تحقق حلمه، فالتحق أخيرًا بـ الإذاعة الأردنية، وهناك وجد نفسه في الميدان الذي أحبه. بدأ عمله في الإذاعة الموجهة التي كانت تبث إلى المستمعين خارج الأردن، فامتد صوته إلى الأمريكيتين وأستراليا ومناطق أخرى في العالم، وبقي يعمل فيها حتى عام 2000.
تميّزت مسيرة العضايلة الإذاعية بغنى برامجها وتنوع موضوعاتها، إذ تنقل بين الأدب والاقتصاد والمنوعات والاجتماع، إضافة إلى البرامج الحوارية والتربوية. ومن أبرز ما قدّمه:
صنع في الأردن: للتعريف بالمنتجات الوطنية ودعم الصناعة المحلية.
أدباء من الأردن: تناول سِيَر الأدباء الأردنيين وأعمالهم الإبداعية.
رمضان كريم: برنامج رمضاني جمع بين الروح الدينية والاجتماعية والثقافية.
نشرات الأخبار: كان أحد الأصوات المألوفة في نشرات الإذاعة الأردنية.
مساء الخير (1995–2000): برنامج منوع يومي على القنال العام، قدّمه بالاشتراك مع المرحومين عصام العمري ومروان المجالي، واستمر لأكثر من خمس سنوات.
الإذاعة والمستهلك: مع المرحوم عيسى محادين، للتوعية بحقوق المستهلك وأساليب الشراء السليم.
مع الطلبة: برنامج شبابي ناقش قضايا التعليم والطموح والحياة الجامعية.
آفاق تربوية: تناول قضايا التعليم وأساليب التدريس، واستمر حتى عام 2016.
البث المباشر (2004–2005): برنامج حواري تناول القضايا الوطنية والاجتماعية والسياسية، قدّمه أيضًا مع المرحوم عصام العمري.
لو كنت مكاني: برنامج تفاعلي يمنح المستمع فرصة تخيّل المواقف من وجهة نظر الآخرين.
الأيدي الناعمة: ركّز على دور المرأة الأردنية ومكانتها في المجتمع.
الأردن أولًا: برنامج وطني سلط الضوء على منجزات الدولة وقيم الانتماء.
إذاعات عربية وإعلام العرب: تعاونا مع قسم الإذاعات العربية لتقديم محتوى توثيقي عن الإعلاميين العرب والإذاعات العربية.
شارك العضايلة في تغطيات الإذاعة للاحتفالات الوطنية والمناسبات الرسمية، وساهم في انطلاقة إذاعة عمان إف إم، كما كان من الأصوات الموثوقة في الفترات الإخبارية التي تواكب الأحداث لحظة بلحظة.
لم يكن صوت العضايلة محصورًا في الأثير فقط، بل وجد طريقه إلى الصحافة المكتوبة أيضًا. فمنذ عام 1999 وحتى عام 2014 عمل في جريدة الرأي الأردنية، حيث نشر مقالات تناولت الشأن الأردني والعربي، ولا يزال حتى اليوم يكتب في الصحف والمواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، متابعًا القضايا الوطنية والعربية، ولا سيما ما يتعلق بـ غزة التي يسميها "غزة الحرية والكرامة والإبادة".
بعد مسيرة امتدت لعقود في الإذاعة الأردنية، أُحيل العضايلة على التقاعد في يوم ميلاده، 6 كانون الأول 2016، لكن تقاعده لم يكن نهاية رسالته، بل بداية لمرحلة جديدة من الكتابة والتوثيق والمشاركة بالرأي والفكر.
كان العضايلة حاضرًا أيضًا في العمل النقابي، إذ انضم إلى جمعية المذيعين الأردنيين منذ تأسيسها عام 2002، وانتُخب نائبًا للرئيس، ثم رئيسًا للجمعية بين عامي 2017 و2019، حيث أشرف على فعاليات مميزة أبرزها تكريم أكثر من 50 مذيعة ومذيعًا برعاية العين طلال أبو غزالة.
ثم أُعيد انتخابه لدورة جديدة بين عامي 2019 و2021، وواصل خلالها تعزيز مكانة المذيعين والإعلاميين الأردنيين، ومن أبرز إنجازاته:
تكريم أكثر من 50 مذيعة أردنية برعاية وزير الدولة لشؤون الإعلام محمد المومني.
إقامة المؤتمر الإعلامي الخامس للجمعية بعنوان "القدس في الخطاب الإعلامي والسياسي الأردني" برعاية وزير الأوقاف الدكتور عبد الناصر أبو البصل.
اليوم، يعمل محمد عبد الحميد العضايلة على جمع وطباعة معظم ما كتبه خلال مسيرته، إيمانًا منه بأن الكلمة تبقى عنوان الحياة. وهو يستشهد بما قاله صلاح الدين الأيوبي عن أثر الكلمة في النصر، وببيت المتنبي الخالد:
"لا خيل عندك تعطيها ولا مالُ … فليسعد النطق إن لم تسعد الحالُ."
بهذه الرحلة الممتدة بين التعليم والإذاعة والصحافة والعمل النقابي، شكّل محمد عبد الحميد العضايلة نموذجًا للإعلامي الذي يرى في عمله رسالة وطنية وثقافية. من قريته في الكرك إلى أثير الإذاعة الأردنية، ومن صفحات جريدة الرأي إلى قاعات المؤتمرات، ظل العضايلة وفيًا لفكرة أن الإعلام يجب أن يكون صوتًا للحقيقة ورسالة للوطن والإنسان. ورغم تقاعده، فإن قلمه وصوته ما زالا يواكبان الأحداث، شاهدين على أن الكلمة لا تموت.