سوسن تفاحة من الأسماء التي تركت أثرًا عميقًا في الإعلام الأردني. بصوتها الواثق، وإلقائها المتقن، وحضورها المهني، استطاعت أن تحجز لنفسها مكانة استثنائية بين جمهور واسع ظل وفيًا لشاشة التلفزيون الأردني لعقود. لم تكن مجرد مذيعة أخبار، بل رمزًا للالتزام والاحتراف والهيبة الإعلامية. ومن بين عشرات الأسماء التي مرّت على الشاشة، بقيت سوسن تفاحة واحدة من القلائل اللواتي تحوّلن إلى علامة فارقة في الذاكرة الجماعية للمشاهدين.
ولدت سوسن تفاحة في مدينة نابلس، إحدى أبرز حواضر الضفة الغربية، المعروفة بثقافتها وحضورها الوطني والاجتماعي. نشأت في بيئة تحترم التعليم، فدرست اللغة العربية وحصلت على شهادة البكالوريوس، ثم تابعت تحصيلها العلمي لتحصل على الماجستير في الصحافة، إضافة إلى عدد من الدورات التدريبية التخصصية التي دعمت مسيرتها الإعلامية.
في نهاية سبعينيات القرن العشرين، التحقت سوسن تفاحة بمؤسسة التلفزيون الأردني، التي كانت حينها في أوج تألقها. بدأت في قسم الأخبار، وقدّمت أولى نشراتها بصوت رخيم، وإلقاءٍ متميز، وأداءٍ متوازن يجمع بين الجدية والأناقة.
سرعان ما أصبحت أحد أعمدة النشرات الإخبارية في التلفزيون الأردني، وأحد أبرز الوجوه التي ارتبط بها المشاهدون، ليس فقط لمهنيتها العالية، بل أيضًا لقدرتها على بث الطمأنينة في زمنٍ كانت فيه الشاشة المصدر الرئيسي للمعلومة.
ما ميّز سوسن تفاحة عن غيرها هو إتقانها لفن الإلقاء العربي، وحرصها على استخدام لغة عربية فصيحة وسليمة دون تكلّف. وقد اعترف عدد من زملائها ومتابعيها أن سوسن كانت مدرسة في النطق والتعبير، وجعلت من شاشة التلفزيون الأردني منصة تعليمية غير مباشرة للغة والذوق الإعلامي.
كما عُرفت بأدائها الانفعالي المتزن، وقدرتها على تقديم الأخبار السياسية والإنسانية بأسلوب راقٍ، بعيد عن الإثارة أو الافتعال.
لم يقتصر دور سوسن تفاحة على تقديم الأخبار، بل لعبت دورًا فعالًا في الحياة العامة. فقد شغلت منصب رئيسة الاتحاد النسائي الأردني/ فرع العاصمة، وأسهمت في قضايا تمكين المرأة وتطوير الخطاب النسوي الوطني.
وفي عام 2005، تم تعيينها عضوًا في المجلس الأعلى للإعلام، ما يعكس التقدير الرسمي لمكانتها الإعلامية وخبرتها الطويلة.
أما في عام 2017، فقد تم اختيارها عضوًا في مجلس إدارة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية، لتعود هذه المرة لا كموظفة فقط، بل كصاحبة قرار وشريك في رسم السياسات الإعلامية الوطنية، وهي محطة مفصلية في مسيرتها المهنية.
لم تغب سوسن تفاحة عن الأثير الإذاعي، إذ عملت أيضًا في إذاعة القوات المسلحة الأردنية، كما كانت ضيفة دائمة على برامج مثل "يسعد صباحك" و"حلوة يا دنيا"، وتحدثت فيها عن تجربتها الطويلة، وتطرقت إلى جوانب من سيرتها الشخصية والمهنية.
لا يزال الأردنيون يذكرون سوسن تفاحة بوصفها "سيدة الشاشة" و"ملكة الإلقاء". وقد ألهمت جيلًا كاملًا من الإعلاميات الشابات، اللواتي رأين فيها مثالًا على الاحتراف والاتزان والتمكن اللغوي.
وقد وصفها بعض النقّاد بأنها تمثّل مرحلة من الإعلام الأردني "حين كانت الشاشة تُحترم، والكلمة تُقاس".
تمثل سوسن تفاحة تجربة إعلامية متكاملة، جمعت بين اللغة، والحضور، والمبدأ، والخبرة. هي ليست فقط مذيعة أخبار، بل وجه من وجوه الوعي الوطني والاحتراف الإعلامي.