الثقافة والتراث من الركائز الاساسية في بناء الهويات الوطنية للشعوب والمادة الصلبة التي تعزز تماسك بنيانها الاجتماعي، فهما بمثابة الذاكرة الجمعية التي تحفظ قيم الأمة ومسار تاريخها ومحصلة تجاربها عبر الزمن الذي عاشته وتعيشه. فالتراث لا يقتصر في مفهومه فقط على المعالم المادية مثل المباني والمخطوطات والتحف والنقوش، فهو يتعدّى ذلك أيضاً ليغطي التراث غير المادي مثل العادات والتقاليد والفنون الشعبية واللغة والقيم، وهو في الدول العربية، يشكل إرثاً وثروة حضارية غزيرة تتجاوز الجغرافيا المحلية لتصبح جزءاً من الموروث الإنساني على مستوى العالم كله.
الثقافة والتراث من منظور إنساني الوجه الحقيقي لأي أمة، فهما الذاكرة التي تحفظ وتعكس مسيرة الكيانات والدول، وبدونها تصبح الشعوب بلا هوية تستحق الذكر ويمرها قطار الزمن بلا محطات. ومن هنا نجد أنّ الدول العربية تولي اهتماماً خاصاً بهذا الارث المتميّز نظراً لما يشكله من منابع عزّة وفخرفي حياة شعوبها، وركائز للتنمية والتقدم.
الثقافة والتراث ليسا مجرد قصص سردية يعبر عنها بصور بصرية أو ذهنية من الماضي، بل هما لغة المستقبل أيضاً، فهما عبق الأصالة، والقوة الناعمة التي تعزز مكانة الدول. وكمثال على ذلك راعت المملكة العربية السعودية هذا الارث الثقافي والتراثي من منطلق أن حماية هذا الإرث مسؤولية مشتركة بين المجتمع والدولة والإعلام، حتى يبقى لصيقاً في الفكر الجمعي للاجيال القادمة محلياً ودولياً. وأبزت في هذا السياق أهمية الثقافة و التراث السعودي بإعتبارهما ركيزتين أساسيتين من المشروع الوطني، ليس لأنهما مرتبطان بمكانة المملكة الدينية والتاريخية فقط، بل لأنهما يمثلان جزءاً مهماً في رؤية 2030. ودلّلت على ذلك في تطوير بعض المشاريع مثل "الدرعية التاريخية" ومواقع "مدائن صالح" المسجلة على قائمة التراث العالمي لليونسكو، لتؤكد أن الثقافة والتراث لم يعودا مجرد ماضٍ محفوظ يجترّ وقت الراحة والخلوة، بل استثمار في المستقبل وسياحة واقتصاد وصورة عالمية مؤنسنة.
وللاتصال والاعلام دور مهم ومميز في هذا المضمار لانهما واستناداً الى مبادئ نظريتي " تجسير الحواجز " و " الاشباعات والاحتياجات " الكفيلان بنقل هذه الثروة الثقافية إلى الناس، محلياً وعالمياً، بإستخدام نماذج الاتصال الفعّالة والتقارير الاستقصائية، والأفلام الوثائقية، والحملات الرقمية الاعلامية، والمعارض والسيمينار. إنّ الاتصال المتوازن والإعلام الرصين يساهمان بشكل ملفت في حماية الموروث الثقافي والتراثي من الاندثار عبر التوثيق الرقمي والتذكير وشدة التكرار، وفي الوقت نفسه يفتح آفاقاً لممارسة الدبلوماسية الثقافية التي تجعل من التراث وسيلة للتقارب مع شعوب العالم ولنا في السعودية مثال يحتذى.