في مسيرة إعلامية امتدت لعقود، شكّل الإعلامي جمال ريان علامة فارقة في فضاء الإعلام العربي، بفضل حضوره الرصين، وصوته المتزن، ومواقفه الواضحة التي جعلت منه واحدًا من أبرز الأسماء في تقديم الأخبار والبرامج السياسية. وبين التلفزيون الأردني وقناة الجزيرة، تنقّل ريان ليصوغ تجربة إعلامية استثنائية قلّ نظيرها.
وُلد جمال مصطفى أحمد ريان في 23 آب 1953 في مدينة طولكرم بفلسطين المحتلة، لأسرة فلسطينية نزحت إلى الأردن بعد النكبة. نشأ وتعلّم في الأردن، وحمل الجنسية الأردنية لاحقًا، ليبدأ مشواره الإعلامي مبكرًا، متأثرًا بعوالم الصوت والكلمة والصورة.
كانت البداية المهنية الحقيقية لجمال ريان عام 1974، عندما التحق بـ مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية، حيث عمل لمدة 15 عامًا متواصلة، وأصبح أحد أبرز مقدمي نشرات الأخبار والبرامج السياسية في تلك المرحلة. لم يكن ريان مجرد مذيع يقرأ الأخبار، بل كان يقدمها بحضور يحترم عقل المشاهد، ويُشعره بثقة واطمئنان، فتميّز بأسلوبه الهادئ والواضح والدقيق.
ومن أبرز ما قدّمه في التلفزيون الأردني:
نشرات الأخبار الرئيسية: كان وجهًا مألوفًا في تقديم الأخبار في أوقات الذروة، خاصة في السبعينيات والثمانينيات.
برامج سياسية تحليلية: تناول فيها قضايا الداخل الأردني والأحداث الإقليمية، وشارك في إعداد بعض الحلقات الحوارية السياسية.
ساهم أيضًا في تدريب وتوجيه العديد من الكوادر الإعلامية الشابة في التلفزيون الأردني، ما جعله أحد أعمدة تلك المرحلة الذهبية في الإعلام الأردني.
بعد تجربة طويلة في الأردن، توسّع جمال ريان في آفاق العمل الإعلامي نحو الساحة الدولية، فانتقل عام 1979 إلى كوريا الجنوبية، حيث عمل في هيئة الإذاعة الكورية KBS كمقدّم للأخبار باللغة العربية، في تجربة فريدة أضافت إلى رصيده المهني بُعدًا جديدًا في التعامل مع الإعلام الدولي. بعد ذلك، عاد إلى العالم العربي ليواصل مسيرته عبر تلفزيون أبو ظبي، حيث ساهم في إطلاق عدد من البرامج الرائدة التي لاقت صدى واسعًا، من أبرزها: المدار، البعد الرابع، العالم هذا المساء، والتي شكّلت نقلة نوعية في شكل ومضمون البرامج السياسية العربية آنذاك.
وفي عام 1994، انضم ريان إلى فريق بي بي سي العربية في لندن، ليكمل مشوار التألق ضمن منظومة إعلامية احترافية عريقة. هناك، عمل ضمن بيئة متعددة الثقافات والمعايير المهنية الصارمة، ما عمّق من تجربته وخبرته التحريرية. في "بي بي سي"، واصل تقديم نشرات الأخبار والبرامج السياسية، مع التركيز على دقة المعلومة وحيادية الطرح، وهي سمات ظلت ملازمة لأسلوبه لاحقًا.
لقد مثّلت هذه المحطات المتعاقبة خارطة نضوج مهني وإعلامي، جعلت من جمال ريان إعلاميًا عالمي الرؤية، لكنه بقي ملتزمًا بهموم وقضايا الوطن العربي، واضعًا المهنية فوق كل اعتبار.
كان جمال ريان من الوجوه المؤسسة لقناة الجزيرة القطرية عند انطلاقتها عام 1996، بل كان أول من ظهر على شاشتها ليقدّم أول نشرة أخبار تبثها القناة، في لحظة تاريخية أصبحت جزءًا من ذاكرة الإعلام العربي الحديث. ومع تقدم الجزيرة وتوسّعها، أصبح ريان أحد أعمدتها الرئيسيين، ووجهاً مألوفًا لملايين المشاهدين، لما اتّسم به من احترافية وثبات وهدوء في الأداء.
قدّم خلال مسيرته في القناة عددًا من أبرز برامجها الإخبارية والسياسية، من بينها:
ما وراء الخبر: برنامج تحليلي عميق يبحث في خلفيات الأحداث السياسية ويستضيف نخبة من المفكرين والخبراء.
حصاد اليوم: خلاصة شاملة لأهم أحداث اليوم، بقراءة دقيقة ومركّزة.
لقاء خاص: حوارات حصرية مع شخصيات سياسية بارزة، أدارها ريان باحتراف يوازن بين الجرأة والاحترام.
الخبر الرئيسي: أحد البرامج المركزية في شبكة الجزيرة، عُرف فيه ريان بدقته وعمقه المهني.
تميّز جمال ريان في الجزيرة بثباته الانفعالي حتى في أكثر اللحظات توتّرًا، وبأسلوبه الموضوعي الذي لا يجامل ولا ينفعل، مع حرصه الدائم على احترام عقل المشاهد وتقديم المعلومة دون تلاعب أو إثارة. وهو ما جعله محل ثقة جمهور واسع يمتد من المغرب العربي إلى الخليج، ويكرّسه كأحد أبرز الأصوات التي ساهمت في تشكيل هوية الجزيرة الإعلامية.
اشتهر جمال ريان بقدرته على الجمع بين الهدوء والصرامة، وبين المهنية والصدق العاطفي، فكان يتحدث بعقل ويشعر بقلب. لم يخفِ مواقفه السياسية الداعمة للقضية الفلسطينية، والمدافعة عن حق الشعوب العربية في تقرير مصيرها. وفي تغريداته ومنشوراته، عُرف بموقفه الرافض للتطبيع، وبدفاعه المستمر عن الأردن وسيادته، كما كان حاضرًا في النقاشات الإعلامية الكبرى رغم فترات الغياب.
إلى جانب التقديم، شارك ريان في إعداد وإنتاج عدد من الأفلام الوثائقية، خاصة عن التجربة الآسيوية، منها سلسلة وثائقية عن اليابان حازت تقديرًا واسعًا.
متزوج من سيدة من أصل كوري، وله ولدان: مراد وريم. ويُعرف عنه حبه للثقافة والقراءة، واهتمامه بالإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي.
جمال ريان هو مدرسة إعلامية قائمة بذاتها بدأت من التلفزيون الأردني إلى الجزيرة، أثبت أن الصوت الملتزم بقضايا الإنسان العربي لا يضيع، بل يستمر كنبض حيّ في ذاكرة الشعوب. حافظ على صورته الإعلامية النظيفة رغم تقلبات السياسة والإعلام، وبقي صوته، حتى في صمته، يحمل هيبة الكلمة وصدق الرسالة.