في عام اتفاق الوحدة الثلاثية بين مصر والعراق وسوريا (1963)، كان المد القومي على اشدّه، وحلم الوحدة العربية يعشعش في أذهان الكبار والصغار، وكان والدي رحمه الله من الشبّان الذين تعلّقوا بهذا الحلم، وترجمه برفع علم الوحدة الثلاثية على مبنى مدرسة الطفيلة الثانوية.
وإلى جانب رفع العلم، خطّ رحمه الله شعارات تنادي بالوحدة التي سقطت في أقل من 100 يوم من إعلان الاتفاق حولها.
في تلك الفترة، كانت العقوبات تطال حتى من يحرك إبرة (الراديو) تجاه إذاعة صوت العرب في القاهرة، أو دمشق أو بغداد، فكيف برفع علم دول تناوئ النظام الهاشمي في مدرسة حكومية، وخط شعارات على أسوارها.
اجمع التربيون آنذاك على تنفيذ عقوبة النقل التأديبي لوالدي من الطفيلة إلى معان، وبعد أسابيع تم تجاوز العقوبة، ليتخرج والدي رحمه من مدرسة الطفيلة الثانوية التي عاد إليها معززا مكرما، دون أن تؤثر هذه الحادثة على شخصيته أو على مستقبله المهني، لدرجة أنه التحق بعدها بعام ضابطا مرشحا في الكلية العسكرية ولم يكمل الدورة لظروف خاصة.
وفي عام 2025، تقرر إحدى المدارس الحكومية ترسيب طلبة تجاوزوا أيام الغياب، رغم تفوّقهم، ولا زال ذوو هؤلاء الطلبة يتلقون الوعود بدراسة الحالة والبتّ بأمرها، بعد مرور ثلاثة أسابيع على بدء العام الدراسي.
المدرسة محقة بقرارها الذي ينسجم مع الأنظمة والتعليمات، وتأييد الوزارة للقرار يعكس صلابة في تنفيذ القوانين والأنظمة والتعليمات.
لكن وزارة التربية والتعليم، لم تلتفت لأثر القرار، كما التفتت الوزارة نفسها قبل 62 عاما لأثر النقل التأديبي على طالب (توجيهي) قبل شهرين من بدء الامتحانات، رغم الفرق بين من تجاوز أيام الغياب المقررة، ومن يدعم أنظمة سياسية تناوئ نظام الحكم عام 1963.
هذا الموضوع، يتطلب من الوزارة النظر بروح التشريعات لا بنصوصها، والالتفات أكثر لواقع مدارس يتفوّق الطلبة فيها رغم تجاوزهم أيام الغياب، فإذا كان الحضور للمدرسة غايته التعلّم من الطالب والتعليم من المدرّس، فلماذا تفوّق هؤلاء الطلبة؟
في وزارة التربية عشرات الملفات، التي تبذل الوزارة جهودا مضنية في سبيل حلها، من تطوير وتحسين وتوفير المستلزمات إلى تأهيل المعلمين وغيرها، وهي أكثر أهمية من تضييع عام دراسي من حياة هؤلاء الطلبة.
وفي مقابل هذا التشدد في الموقف، تجد الوزارة نفسها عاجزة أو متراخية أمام حل مشاكل علاقة أولياء الأمور المالية مع مدارس خاصة، والتي دفعت إحداها ولي أمر أحد الطلاب لكتابة إقرار عدلي بالدين (الرسوم المدرسية السابقة)، أو رهن عقار أو مركبة مع توفير كفيل لسداد الرسوم المدرسية، رغم مخالفة هذه الخطوات التي طلبتها المدرسة للقوانين والأنظمة والتشريعات والمنطق معا.
الأصل في وزارة معنية بـ "التربية" و"التعليم"، أن تنظر إلى الآثار التي ستتركها الأنظمة والتعليمات المطبّقة، وتلك التي لا حيلة لها بتطبيقها، على نفسية الطلاب، المحرومين، وأؤلئك الذين يمنعون من دخول المدارس لوجود ذمم مالية على ذويهم (الملتزمين بالسداد) لديون تراكمت على الجميع منذ جائحة كورونا.