في هذا الوطن الذي يزداد عطشًا وفقراً، يقف المواطن عاجزًا عن تأمين شربة ماء نظيفة، فهو يقتات على نصف جركن ماء يوميًا لكافة استخداماته، بينما تُصرف في الجهة الأخرى رواتب بعشرات الآلاف من الدنانير شهريًا لمتنفذين اعتادوا أن تُفتح لهم خزائن الدولة بلا حساب ولا رقيب!!.
المفارقة أن هذا يحدث في بلد تضاعفت مديونيته أكثر من سبع مرات خلال خمسة وعشرين عامًا حتى تجاوزت ستين مليارا، أي أن كل طفل يولد فيه يخرج إلى الدنيا مثقلاً بنصيبه من الدين قبل أن يتذوق أول رشفة ماء.
مديونية مجنونة تقابلها تنمية شبه معدومة، بطالة متفاقمة، فقر متسع، وقطاعات خدمية متراجعة، ومع ذلك تستمر الامتيازات والرواتب الخيالية وكأنها من المسلمات!.
المواطن الكادح برواتب بعضهم لا تتجاوز 200 إلى 300 دينار، وحتى من يُعتبر "محظوظًا" منهم قد يصل بالكاد إلى 800 دينار، بينما أسرة من ستة أشخاص تحتاج 1200 دينار على الأقل لتعيش حياة متواضعة وكريمة.
فالفارق بين الدخل والواقع هو عجز دائم يضع آلاف العائلات في خانة العوز والديون.
وفي المقابل، هناك من يتقاضى عشرات الآلاف شهريًا، أي ما يعادل رواتب مئات الأسر، ويغرق في بحر الامتيازات والخدمات المتدفقة بلا سقف، بينما يُحاسَب الفقير على كل فاتورة وضريبة ومخالفة.
ليست هذه مجرد فروقات في الأجور، بل معادلة ظِيزى جائرة وظالمة تكشف خللًا عميقًا في توزيع الثروة وتفضح شكلًا من أشكال الفساد المقنّع الذي يتزيّن بالقانون ويُسوّق للشعب على أنه استحقاق طبيعي، بينما هو في جوهره نهب مشرعن للمال العام.
كيف يُعقل أن يعيش مواطن على نصف جركن ماء وراتب لا يكفي حاجاته الأساسية، بينما هناك من يتقاضى آلاف الدنانير كل يوم وكأن الوطن ملكية خاصة... إنها صورة لوطنين متناقضين، وطن الكادحين المحاصرين بالفواتير والضرائب، ووطن المترفين المستجابة طلباتهم وتطلعاتهم وطموحاتهم.
وإلى أصحاب الضمير نقول، إن العدالة ليست ترفًا بل شرط بقاء، وإلى من لا ضمير له نقول... قد تشرعنون امتيازاتكم بالقوانين، لكن الحقيقة تظل صارخه .... أنتم تعيشون على وجع وعطش وآلام شعب آمن بالله ربا وبالهاشميين ملوكا وحكاما.
وما دمنا على هذا النهج والسلوك، حيث تُكرّس دولة النجاة الحكومية لنفسها وتغضّ الطرف عن معاناة الأغلبية، فإننا لن نفلح، وسنسير من سيئ إلى أسوأ نحو مجهول نستطيع محاكاة نهايته!!!.