لم تعد إسرائيل كما عرفها العالم قبل سنوات، فالدولة التي طالما قدّمت نفسها وتقدمها دوما كأقوى قوة عسكرية واستخبارية في الشرق الأوسط ، باتت اليوم تواجه تحديات استراتيجية غير مسبوقة تمس جوهر تفوقها،وسمعتها وتكشف عن تحولات عميقة في البيئة الأمنية والسياسية التي تحيط بها ففي غزة يعاني الجيش الإسرائيلي من التعب والاهتراء والفشل في تحقيق اهداف الحرب ، واجبر على الانتشار اكثر من مرة وتغيير خططه مرات عديدة واضطرت الكثير من تشكيلاته القتالية ووحدات النخبة على الانسحاب وإعادة التنظيم بعد الاستنزاف البشري واللوجستي المستمر في في صفوفه متزامنا ذلك مع تعنت المستوى السياسي المتطرف بقيادة نتنياهو على استمرار الضغط العسكري لتحقيق الأهداف التي لم تتحقق واخرها السعي الى احتلال مدينة غزة وتدميرها، وفي ظل الانكشاف الأمني وتآكل الردع الذي لم يعد كما كان علية نلاحظ استمرار عمليات المقاومة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية ، بل وتفرض واقعا صعبا وحالة من التوجس الأمني دوما في مواقع العمليات للجيش او في الداخل الإسرائيلي ، إضافة الى ما جرى على الجبهه الشمالية مع حزب الله الذي لا يزال يشكل تحديا بوجود مستودعات الأسلحة والصواريخ والتي كانت أجبرت شمال إسرائيل على البقاء في الملاجي لايام طويلة رغم تراجع الداعم الرئيس ايران والضغط المستمر لنزع سلاحه ، والأهم من ذلك تعرض إسرائيل الى ضربات موجعة وظهور تكنولوجيا صاروخية جديدة وطائرات مسيرة حديثه تمتلكها ايران وبعض اذرعها مثل الحوثي مما احدث انهيارا لنظريات الامن الإسرائيلي وخرقا استراتيجيا لمعظم منظومات الدفاع الجوي المتطورة اخرها قبل أيام رغم الدعم الأمريكي مما اضظرها الى استئناف توجية ضربات عسكرية لجيوش بعيدة جغرافيا مثل اليمن وايران مما فرض عليها تكلفة اكبر وانكشاف أوسع .
الجيش الذي كان يعد نفسة قادرا على حسم المعارك في أيام، وجد نفسة امام اهداف سياسية متطرفة واسعه صعبة الإنجاز مما جعلة اليوم عاجز عن إنهاء جولات القتال خاصة في غزة ، اضافة الى حالة الارتباك والخلاف مع المستوى السياسي ورفض بعض قوات الاحتياط الالتحاق بالحرب ، واجبر على التعامل مع حرب استنزاف متدرجة تتآكل معها الثقة بقدراته ، وتغيير وزير الدفاع واستقالة رئيس اركان السابق وعدم قناعة رئيس الاركان الجديد بمجريات الحرب كما يراها السياسيون ، وحالة فقدان الدعم الشعبي المتناقص لنتنياهو ، هذا الانكشاف الاستراتيجي الذي لم يقتصر على الجانب العسكري فقط بل امتد إلى انكشاف في جبهات أخرى مثل الأخلاقي والسياسي والأمن السيبراني والحدود والاقتصاد والإدارة المحلية ..... الخ ، الأهم من التداعيات الأمنية وانهيار قدرات الجيش الإسرائيلي ، بدأ هذا الكيان يفقد تدريجيًا الغطاء الدولي التقليدي امام صور ومشاهد الدماروالمجازرفي غزة وقتل الأطفال ، والجرائم الموثّقة بحق الصحفيين والطواقم الطبية والمدارس والمساجد ، واستخدام التجويع كوسيلة للحرب الذي دفع برلمانات وهيئات دولية وحكومات لإعادة النظر في موقفها من ما تقوم به إسرائيل وتراجعت صورتها كـضحية أمام الرأي العام العالمي، وبدأت الحملات الشعبية لمقاطعتها ونجحت في تغيير مواقف دول كبيرة مثل فرنسا المانيا.... الخ إضافة الى استمرار الحملة الواسعه للاعتراف بفلسطين كدولة ، هذه الحالة وما وصلت اليه إسرائيل انتجت تحالفات استراتيجية جديدة لمواجهة المستقبل المظلم واوجدت حالة من الوعي الإقليمي والعالمي لمكنونات هذا الكيان . بالمجمل نرى ان إسرائيل القوية القادرة على الحسم، لم تعد كما كانت وأصبحت بنظر اغلبية دول العالم دولة مارقة مجرمة مهددة للامن والاستقرار لدول الجوار والاقليم والعالم ، ودولة لا تحسب خطواتها بالشكل الصحيح وفي تخبط مستمر في جميع قراراتها التي يسيطر عليها التطرف اليميني المتشدد وخلافات داخلية ، ولذلك فأن المؤشرات تبين ان اسرائيل 2025 تقف على مفترق طرق حاسم بين محاولة استعادة الردع والهيبة، وبين الانزلاق إلى مرحلة التراجع الاستراتيجي المستمر وربما تنزلق الى صراع داخلي يهدد بقاؤها وقد يستمر ما نشهده من بداية النهاية التدريجية والانهيار الاستراتيجي الكبير الذي سيلقي بها في عزلة عميقة بعد ان أصبحت عالة على الدول الغربية ومصدرا لفقدان ثقة الشعوب بدولها الداعمة لهذا الكيان المجرم .