في ظل التغيرات المتسارعة في أساليب التعليم العالي عالميًا، لا سيما في برامج الدراسات العليا، برزت الحاجة إلى مراجعة بعض الأنظمة المرتبطة بابتعاث الطلبة إلى الخارج، وعلى رأسها مدة الإقامة التي يُلزم بها الطالب في بلد الدراسة.
حاليًا، تُحدد مدة الإقامة للطلبة المبتعثين للحصول على شهادة الدكتوراه بـ(٢٠ شهرًا)، ولطلبة الماجستير بـ(١٦ شهرًا). وعلى الرغم من أن هذه المدد قد تبدو منطقية في ظاهرها، فإنها في الواقع لا تتناسب مع طبيعة البرامج الدراسية الحديثة، التي أصبحت في معظمها بحثية بحتة ولا تتطلب الوجود الدائم للطالب في بلد الابتعاث.
في العديد من الجامعات حول العالم، يعتمد الطالب على العمل البحثي الذاتي، والمراسلات الأكاديمية الإلكترونية، والمتابعة عن بُعد مع المشرفين. كثير من هذه البرامج تتيح للطالب إجراء التجارب، التحليلات، والكتابة العلمية من أي مكان، طالما أنه ملتزم بخطة بحثية واضحة ويتواصل بانتظام مع الجامعة. بالتالي، فإن إلزام الطالب بالبقاء مدة طويلة في بلد الدراسة أصبح أمرًا مرهقًا وغير مبرر، خاصة في ظل الأعباء المعيشية المرتفعة في معظم دول الابتعاث.
ولا يخفى أن أحد الأسباب الرئيسة التي تدفع الطلبة للجوء إلى الدراسة في الخارج هو ارتفاع الرسوم الجامعية محليًا، خاصة في برامج الدراسات العليا. ففي بعض الجامعات، وصلت تكلفة الساعة الواحدة في مرحلة الدكتوراه في تخصصات كليات التجارة (وهي تخصصات إنسانية/اجتماعية ذات طبيعة تطبيقية، تشمل المحاسبة، الإدارة، الاقتصاد، والتمويل) إلى نحو (٣٠٠) دينار، وهو رقم يفوق قدرة معظم الطلبة، ويجعل خيار الابتعاث أقل كلفة – على الرغم من التحديات المعيشية في الخارج – مقارنة بالدراسة داخل الوطن.
إضافة إلى ذلك، فإن طول مدة الإقامة قد يعرّض الطلبة لصعوبات مادية ونفسية، ويقلل من فرصهم في الاستفادة من الوقت لإنجاز متطلبات أخرى، سواء أكاديمية أو حياتية. كما أن كثيرًا من الطلبة يضطرون للبقاء في بلد الدراسة دون حاجة حقيقية لذلك، فقط لاستيفاء المتطلبات الرسمية للإقامة.
من هذا المنطلق، فإن إعادة النظر في هذه المدد وتخفيضها لتكون أكثر مرونة وعدالة، بات مطلبًا منطقيًا وواقعيًا. ويمكن للجهات المعنية أن تعتمد أنظمة بديلة، تتيح للطالب إثبات التقدم الأكاديمي والبحثي دون اشتراط تواجده الجسدي طوال الفترة المحددة، مما يخفف العبء عنه، ويوفر على الدولة تكاليف إضافية أيضًا.
في النهاية، نحن بحاجة إلى أن تتواكب أنظمتنا مع متغيرات التعليم العالمي، وأن نضع في اعتبارنا أن جودة المخرجات الأكاديمية لا تُقاس بطول مدة الإقامة، بل بمدى التزام الطالب وتقدّمه العلمي