عندما أعلن ولي العهد الأردني، الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، عن إعادة تفعيل برنامج خدمة العلم، كان وقع الخبر أكبر من مجرد قرار إداري أو تنظيمي. فهو يمثل عودة إلى سياسة قديمة بوجه جديد، في وقت يواجه فيه الاقتصاد الأردني ضغوطًا مركّبة: ارتفاع معدلات البطالة، محدودية فرص العمل، وتحديات مالية متزايدة تتعلق بالدين العام والإنفاق الحكومي (CNN Arabic, 2025).
تشير البيانات الرسمية إلى أن معدل البطالة في المملكة لا يزال مرتفعًا متجاوزًا 21%، فيما تقارب بطالة الشباب 40% في الفئة العمرية 18–24 عامًا. هذه الأرقام تكشف عن فجوة بنيوية بين مخرجات النظام التعليمي وحاجات سوق العمل، وعن ضعف قدرة القطاع الخاص على استيعاب الداخلين الجدد سنويًا (Department of Statistics, 2025; World Bank, 2024; IMF, 2025).
من هنا، يصبح الحديث عن إعادة تفعيل خدمة العلم ليس مجرد قضية وطنية أو اجتماعية، بل قضية اقتصادية بامتياز، تفرض سؤالًا جوهريًا: هل سيكون البرنامج رافعة لتخفيف البطالة وتطوير رأس المال البشري؟ أم أنه سيضيف عبئًا ماليًا جديدًا على الموازنة العامة؟
الخلفية التاريخية: خدمة العلم بين الماضي والحاضر
لم تكن خدمة العلم جديدة على المجتمع الأردني؛ فقد طُبِّقت منذ سبعينيات القرن الماضي بأشكال متفاوتة حتى توقفت في منتصف التسعينيات. آنذاك، كان الهدف يتجاوز البعد العسكري إلى تعزيز الانضباط الوطني وخدمة المجتمع. لكن أثرها الاقتصادي ظل محدودًا، إذ اقتصر البرنامج على التدريب العسكري دون ربط حقيقي بسوق العمل (The National, 2025; Oxford Research Encyclopedia, 2020).
أما اليوم، فالظروف مختلفة. الدين العام يقترب من 110% من الناتج المحلي الإجمالي، والموازنة تعاني من ضغوط متزايدة، فيما يواجه سوق العمل اختلالات واضحة: فائض في الخريجين الجامعيين مقابل نقص في العمالة المهارية. لذا، فإن إعادة التفعيل اليوم ليست مجرد استعادة لماضي الخدمة، بل محاولة لتوظيفها كأداة اقتصادية (Jordan Times, 2025; Ministry of Finance, 2025).
دروس مستفادة
وفق وزارة العمل والقوات المسلحة، سيأتي البرنامج الجديد بصيغة مغايرة، تجمع بين التدريب العسكري والمهني، وتزويد الشباب بالمهارات الحياتية (Ministry of Labour, 2025a; 2025b).
ومن هنا، تظهر دروس أساسية:
1. التجربة الأردنية السابقة أثبتت أن الاقتصار على الجانب العسكري غير كافٍ لمعالجة البطالة.
2. التجارب الإقليمية، كالإمارات وتونس، بينت أهمية ربط الخدمة ببرامج تدريب متقدمة أو خطط تشغيل الشباب (UAE Federal Law No. 6/2014; ILO, 2023/2024; UNIDO, 2025).
الواقع الراهن (2025–2026)
البطالة العامة: 21.3% في الربع الأول من 2025، مع جدل حول المنهجيات الإحصائية (Department of Statistics, 2025; Mansur, 2025).
بطالة الشباب: تقارب 42–46% مع فجوة جندرية ملحوظة (World Bank, 2021; Macrotrends, 2024; ERF Forum, 2025).
الدين العام: 44.8 مليار دينار مع نهاية فبراير 2025، بنسبة تقارب 117% من الناتج المحلي الإجمالي (Jordan Times, 2025a; 2025b; MOF, 2025).
السيناريوهات المستقبلية (2026–2028)
المتفائل: انخفاض البطالة الكلية إلى 17.8% مع توظيف 67.5 ألف شاب خلال ثلاث سنوات، واقتراب البرنامج من نقطة التعادل المالي بحلول العام الثالث.
المتوسط: تراجع البطالة إلى 19% مع 31.5 ألف وظيفة تراكمية، لكن الكلفة تظل أعلى من العائد المباشر.
المتحفظ: أثر محدود، حيث لا يتجاوز الانخفاض في البطالة 1%، مع استمرار الضغط على الموازنة.
خريطة سياسات عملية (2026–2028)
لتحويل البرنامج من استيعاب مؤقت إلى استثمار مستدام في رأس المال البشري، تقترح السياسات:
1. تدريب عملي في مواقع العمل وربطه بعقود تشغيل مسبقة.
2. عقود منتهية بالتوظيف مع حوافز مالية ذكية مشروطة بالنتائج.
3. استهداف فعّال للفئات الأكثر تضررًا، خصوصًا الشباب خارج التعليم والعمل (NEET) والشابات.
4. حوكمة صارمة وشفافية بيانات عبر مؤشرات أداء ربع سنوية.
5. انضباط مالي يضمن الوصول لنقطة التعادل خلال 2–3 سنوات.
إعادة تفعيل خدمة العلم تضع الأردن أمام خيارين استراتيجيين:
إما أن يكون البرنامج منصة لتأهيل الشباب بمهارات سوق العمل، ما يحقق خفضًا ملموسًا في البطالة ويجعل الكلفة استثمارًا منتجًا.
أو أن يبقى مجرد استيعاب مؤقت، يضيف أعباء مالية دون أثر اقتصادي حقيقي.
الفرق بين المسارين ليس أيديولوجيًا بل تنفيذي وقياسي؛ والنجاح رهنٌ بقدرة الدولة على تحويل الخدمة إلى سياسة اقتصادية ذكية تُعزز التشغيل وتخفف أعباء الموازنة (Department of Statistics, 2025; Ministry of Finance, 2025).