قراءة قانونية–سياسية في قانون الأحزاب رقم (7) لسنة 2022 وقانون الانتخاب رقم (4) لسنة 2022، ونتائج انتخابات 2024
تحليل البيانات/ المهندس سعيد بهاء المصري
ملخّص تنفيذي
الشرعية الانتخابية العددية محدودة: شارك 1,638,348 ناخبًا من أصل 5,115,219 مؤهّلين (نحو 32.25%)، ما يعني أن المُمثَّلين برلمانيًا يستندون إلى أقل من ثلث الهيئة الناخبة، مع تباينات جغرافية.
إزاحة تدريجية نحو التمثيل الحزبي: أدخل قانون الانتخاب تخصيص 41 مقعدًا للقوائم الحزبية الوطنية ورفع حصة المرأة إلى 18 مقعدًا وخفّض سنّ الترشح إلى 25 عامًا.
قانون الأحزاب شدّد على المعايير البنيوية: حدّ أدنى 1000 عضو مؤسس للحزب، مع نِسَب دنيا 20% للنساء و20% للشباب، وتدابير تشجّع النشاط الحزبي في الجامعات.
خريطة نتائج 2024: تصدّر حزب جبهة العمل الإسلامي المشهد الحزبي بقرابة 31 مقعدًا من 138 (الأكبر كتلةً لا أغلبية).
الاستنتاج العملي: مع المشاركة المحدودة وتوازن قوى غير حاسم، يصبح التحالف بالحد الأدنى بين أحزاب تحت القُبّة وخارجها، وإدماج المستقلين، نقطة ارتكاز لتشكيل قوى سياسية قادرة على التأثير و«حكومات ظل».
الإطار القانوني: ما الذي تغيّر فعلًا؟
قانون الأحزاب رقم (7) لسنة 2022: اشترط القانون حدًّا أدنى 1000 مؤسس للحزب، مع 20% نساء و20% شباب ضمن المؤسسين، وأكد حماية النشاط الحزبي داخل الجامعات.
المغزى التطبيقي: هذا يحدّ من «الأحزاب الورقية» ويُلزم ببناء قاعدة بشرية موزّعة جغرافيًا ونوعيًا، لكنه لا يضمن تلقائيًا تحويل هذه القاعدة إلى أصوات انتخابية.
قانون الانتخاب لمجلس النواب رقم (4) لسنة 2022: 138 مقعدًا، منها 41 للقوائم الحزبية الوطنية، و18 مقعدًا للنساء، مع خفض سن الترشح إلى 25 عامًا.
المنطق السياسي: توسيع الباب للتمثيل الحزبي على المستوى الوطني، مع بقاء دوائر محلية تميل لصالح الولاءات العائلية/المجتمعية.
نتائج انتخابات 10 أيلول/سبتمبر 2024: الأرقام ودلالاتها
المشاركة: 32.25% (1.638 مليون من 5.115 مليون). نسبة أعلى قليلًا من 2020، لكنها لا تزال منخفضة قياسًا بهدف «التوسيع الحزبي».
الخريطة الحزبية: تقدّم الإسلاميون (جبهة العمل الإسلامي) إلى نحو 31 مقعدًا، لكن دون حيازة أغلبية.
التحيّز البنيوي: رغم تخصيص 41 مقعدًا حزبيًا، ما زالت المدن الكبرى أقلّ حظًا في التمثيل، ما يُترجم فجوة ثقة/جدوى لدى قطاعات حضرية.
ما بعد الانتخابات: كيف بدأت الأحزاب العمل داخل وخارج البرلمان؟
داخل البرلمان
ضعف التكتلات الحزبية: الأحزاب التي تمكنت من دخول البرلمان –وفي مقدمتها جبهة العمل الإسلامي وحزب العمل– لم تنجح حتى الآن في تشكيل كتل برلمانية صلبة تتجاوز الحسابات الفردية أو المناطقية. غالبية النواب ما زالوا يعملون بصفة فردية، ما يقلل من وزن البرامج الحزبية.
الحضور في اللجان: المشاركة الحزبية في اللجان النيابية لا تزال محدودة، وغالبًا ما تُحسم المواقع على أسس توازنات شخصية أو جغرافية أكثر من كونها تعكس برامج حزبية.
الأداء التشريعي والرقابي: لا يوجد حتى الآن خطاب موحد أو مواقف منسقة تميز الأحزاب تحت القبة عن باقي النواب، بل إن كثيرًا من القضايا ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي عولجت ببيانات عامة لا بمشاريع قوانين بديلة أو أوراق سياسات واضحة.
خارج البرلمان
الحضور الميداني ضعيف: الأحزاب الفائزة لم تتمكن بعد من تحويل نتائجها الانتخابية إلى نشاط ميداني منظم بين قواعدها، واقتصر دورها غالبًا على مؤتمرات صحفية أو بيانات سياسية.
غياب المأسسة الإعلامية: لم يظهر بعد إعلام حزبي منظم قادر على مخاطبة القاعدة الشعبية أو توسيعها، حيث ما تزال الجهود فردية ومحدودة على مستوى المنصات الرقمية.
المبادرات المجتمعية: بعض الأحزاب حاولت إطلاق مبادرات خدمية أو لقاءات شعبية في المحافظات، لكنها بقيت محدودة النطاق وغير قادرة على خلق تأثير جماهيري واسع.
الواقع يبين أن الأحزاب –رغم دخول بعضها البرلمان– لم تتمكن من ترسيخ حضور سياسي مؤثر لا تحت القبة ولا خارجها. المشاركة بقيت محدودة، والعمل الميداني لم يتطور بعد إلى مستوى منظم أو دائم. وهذا ما يعزز الحاجة إلى تحالفات أوسع وتطوير أدوات عملية مثل حكومات الظل لتجاوز ضعف البنية الحالية.
«التحالف بالحدّ الأدنى» + «حكومات الظل»
التعريف العملي: بناء تحالف موضوعي عابر للأحزاب تحت القبة وخارجها، يضمّ نوابًا حزبيين، ونواب محليين، وفاعلين مستقلين خارج البرلمان.
لماذا الآن؟ لأن التمثيل المبعثر مع مشاركة متدنية يجعل الكتلة الحرجة للتأثير أصغر إذا أُحسن اختيار الملفات والتوقيت.
البنية المقترحة لحكومة ظل: رئاسة تنسيقية + أمانة فنية + 12 حقيبة ظل + مذكرات سياسات ربعية.
أين يوضع المستقلون خارج القُبّة؟
مجالس موضوعية تُستدعى إليها الكفاءات ذات الحضور العام وتُمنح «صفة استشارية».
مأسسة التحالف اليساري: تشكيل تحالف يساري ديمقراطي موحَّد ببرنامج واحد يعالج القضايا المعيشية.
إنشاء «حكومة ظل يسارية»: تخصيص حقائب ظل لقطاعات حياتية مباشرة وإصدار تقارير دورية.
معالجة فجوة القواعد الشعبية: التركيز على المدن الكبرى وتبني خطاب اقتصادي اجتماعي.
تطوير الأدوات الانتخابية: توحيد القوائم اليسارية، تدريب فرق الحملات، إعداد برامج قطاعية.
بناء خطاب ثقة جديد: الابتعاد عن المعارضة المطلقة وتقديم خطاب واقعي نقدي–اقتراحي.
اختم فأقول
فشل معظم أحزاب اليسار الديمقراطي في اجتياز العتبة الانتخابية (باستثناء حزب العمل) يفرض مراجعة جذرية لآليات التنظيم والتحالف. إن مأسسة تحالف يساري ديمقراطي، وتشكيل حكومة ظل يسارية، وتطوير أدوات انتخابية شعبية، تمثل الخطوة الوحيدة لتحويل التيار من مجرد أطروحات نظرية إلى قوة سياسية مؤثرة وقادرة على التأثير في السياسات العامة وصياغة مستقبل المشاركة الديمقراطية في الأردن