في المشهد السياسي المتكرر، يطل علينا بنيامين نتنياهو حاملاً خرائطه الخاصة، وكأنه رسام قرر أن يضيف بضعة خطوط على لوحة الشرق الأوسط دون أن يسأل أصحاب الأرض عن رأيهم. وبين خط وخط، ينساب تصريح هنا أو تلميح هناك، يوحي بإمكانية "إعادة النظر” في خرائط السيادة، وكأن الجغرافيا لعبة ورق على طاولة المقامرة السياسية.
لكن ما يبدو أن نتنياهو يتجاهله — أو يتناسى عامدًا — أن غور الأردن ليس ساحة مزاد عقاري، والأردن ليس لوحة هندسية يمكن تعديل أبعادها بخط أحمر أو أزرق على سبورة سياسية. فهنا أرض لها تاريخ وجذور، وشعب لا يفاوض على كرامته، ودولة تمارس الدبلوماسية بثبات القلاع لا بارتباك الخيام.
الأردن، بقيادته ومؤسساته، لم ينتظر طويلًا للرد؛ فجاء الموقف الرسمي واضحًا: السيادة الأردنية خط أحمر لا يمكن تجاوزه، وأي محاولة للمساس بها هي استفزاز مباشر لن يمر مرور الكرام. هذا الرد ليس مجرد جملة سياسية، بل رسالة متجذرة في وعي الدولة الأردنية، التي ترى في حماية حدودها وأرضها مسؤولية لا تسقط بالتقادم ولا تتأثر بتقلبات الطقس السياسي في المنطقة.
أما على المستوى الشعبي، فقد تكفلت العشائر الأردنية — بوعيها التاريخي وثقلها الاجتماعي — بإرسال رسالة موازية: "لسنا بحاجة لاجتماع طارئ لنذكرك يا نتنياهو، أن هذه الأرض تعرف أهلها، وأن الغريب عنها، مهما طال به المقام في الخطابات، سيبقى غريبًا”.
المفارقة أن نتنياهو، في محاولاته المتكررة لرسم حدود جديدة على الورق، يغفل أن الحدود الحقيقية تُرسم بالاحترام المتبادل وباتفاقات تصمد أمام اختبار الزمن، لا بخطوط قلم تحاول إعادة ترتيب الجغرافيا كما لو كانت مسألة هندسية. فالشمس لا تغيّر مسارها لأن أحدهم قرر ذلك في اجتماع داخلي، والتاريخ لا يعيد كتابة نفسه لمجرد أن سياسيًا قرر أن يجرب.
وفي النهاية، إذا كان نتنياهو يصر على قراءة الخرائط بالمقلوب، فعليه أن يدرك أن قلب الخريطة لا يعني قلب الواقع، وأن الجغرافيا ليست ورقة يمكن طيها وإخفاؤها في جيب سترته السياسية. فهنا في عمان، تشرق الشمس كل صباح لتذكره أن السيادة الأردنية ليست في متناول أقلامه، وأن الاحترام المتبادل هو الطريق الوحيد الذي يمكن أن يخطّ مستقبلًا آمنًا في هذه المنطقة.