في ظل التحديات الاقتصادية المتنامية ،التي تواجهها الدولة، نجد أن دولة الظل، مفهوم يمثل المجتمع المدني ،كقوة فاعلة، لا تملك القرار السياسي المباشر ،لكنها تؤثر بعمق ، في تشكيل السياسات المجتمعية، وسد الفجوات التي تعجز الحكومة، عن معالجتها ، بفعل قلة السيولة ،ومحدودية الموارد .
ولان المجتمع المدني، هو العمق الاجتماعي، لدولة الظل، فلا يمكن أن نمضي في مسارات التنمية ،بدون حاضنة اجتماعية تشاركيه ، وهنا يتجلى دور المجتمع المدني ،من جمعيات أهلية، ومؤسسات غير ربحية ،ومبادرات تطوعية ،ونقابات ،كقوة تعمل على الأرض ، بتفاعل مباشر مع الناس ،وتستجيب للاحتياجات الفعلية، بعيدا عن تعقيدات البيروقراطية .
فهي ليست بديلا عن الدولة، بل رديفا وشريكا حقيقيا ،في صناعة التغيير ،تكمل ادوار الدولة الرسمية ،وتعكس صوت الشارع ،باحترافية مؤسسية .
ونجد أن منظمات المجتمع المدني ،تمتلك مرونة ،وقدرة على الوصول إلى المناطق، والمجتمعات المهمشة، وتسهم في تمكين الفئات الضعيفة ،اقتصاديا ،واجتماعيا ،عبر برامج تمويل صغيرة ،وتأهيل مهني ،وتطوير قدرات الشباب والنساء ،وتعزيز ثقافة الريادة ،والمشاريع الذاتية .
كما تفتح نوافذ للتمويل التنموي الدولي ، وتدخل شراكات ،مع منظمات عالمية ، مما يعزز قدرة الحكومة ،على جذب الدعم ، دون إرهاق موازنتها .
ولأن الموازنة مثقلة بالعجز، نتيجة ارتفاع كلف التشغيل، وخدمة الدين ،يأتي المجتمع المدني، ليشكل طوق نجاة جزئي ،من خلال سد الثغرات ،في القطاعات الحيوية، كالتعليم ،والصحة ، والحماية الاجتماعية ،بتكلفة أقل، وفاعلية أعلى .
وأيضا تستطيع منظمات المجتمع المدني، أن تقدم توصيات ،على بيانات ومؤشرات واقعية ،تساهم في ترشيد الإنفاق، وتوجيه السياسات العامة ،نحو الأولويات الفعلية للمواطن .
ولأجل دعم مقومات التنمية ،من الخدمة إلى التمكين ،من الأفضل ، مأسسة هذه المنظمات المدنية ،وفق خطة إستراتيجية ،متابعة ،ضمن عمر زمني محدد ،ثم ترحل النتائج إلى منظومة مجتمعية، تكمل الأهداف ،ضمن خطة زمنية محددة ،وفق رؤيا وأهداف تفاعلية ،ذات ديمومة عالية، وعامودها الفقري ، التنمية المستدامة ،حتى تصبح الأهداف ،أقوى ،وأفضل ،ولكل مرحلة حين تحصر أطرافها ،نستطيع أن نذلل المعيقات ،والتحديات ، ونظمن المتابعة والدعم ،بصورة أكثر شفافية ،وبنتائج ناجحة ومرضية ،على أرض الواقع ، وأيضا تكون ملموسة ،وإيجابية الأثر .
كذلك تمتلك هذه المؤسسات ، سلطة تفاعلية ،في التأثير على السياسات الاجتماعية ،من خلال الضغط الإيجابي، ومساءلة الأداء الحكومي ،وتعزيز الشفافية، والعدالة الاجتماعية .
وهي صوت الضمير، الذي يضمن ألا تهمش فئات ،على حساب أخرى ،ويعيد تصحيح بوصلة السياسات ، لتكون أكثر شمولية ، واستجابة ،لحاجات المجتمع الحقيقية ، لا لتوجيهات موازنة مغلقة على ذاتها .
لذا دولة الظل ،هي قلب الحكومة النابض ، فهي تعمل يدا بيد مع نهج الحكومة ،لأجل بناء وطن أقوى ،وتستمد إستراتيجياتها ، تحت مظلة القانون ، وتنسجم مع أهداف الوطن .
وتفعيل دور المجتمع المدني ، في دعم مقومات البيئة ،ومواجهة عجز الموازنة، لا يعني التخلي عن مسؤوليات الدولة ، بل يمثل نموذجا حضاريا ،لتوزيع الأدوار ، وخلق شراكة تنموية ، تعزز من مناعة المجتمع ،وتدفع بعجلة البناء ،إلى الأمام ،بعيدا عن الجمود ،والاحتكار المؤسسي .