يُعتبر عمر أبو سالم من الأسماء اللامعة التي تركت بصمة واضحة في الإعلام العربي والشعر الحديث، مسجلاً مسيرة حافلة بالعطاء الثقافي والإعلامي بين الأردن ودولة الإمارات العربية المتحدة.
وُلد عمر أبو سالم في مدينة إربد شمال الأردن، في بيئة ثقافية وأدبية غنية، حيث نشأ محاطًا بالقراءة والوعي الوطني والقومي. حرص على تلقي تعليمه الجامعي، فحصل على شهادة البكالوريوس في الحقوق من جامعة دمشق عام 1970، مما أضاف بعدًا معرفيًا هامًا لمسيرته.
بدأ عمر أبو سالم مسيرته الإعلامية في إذاعة عمان عام 1969، حيث عمل كمذيع ومقدم برامج، وأبدع في تقديم البرامج الثقافية والفكرية التي تميزت بعمقها وتميزها اللغوي. كان صوته الهادئ والواثق عنصرًا جذب الجمهور إلى الأثير، لا سيما في فترة كان فيها الإعلام الإذاعي من أهم وسائل الاتصال الثقافي والاجتماعي حيث قدم:
برامج ثقافية وأدبية: قدّم أبو سالم برامج متخصصة تناولت الأدب العربي، الشعر، والفكر. من أبرز برامجه:
برامج الشعر: حيث كان يقرأ ويحلل نصوصًا شعرية لشعراء عرب معاصرين وكلاسيكيين، مما جعل هذه البرامج محط اهتمام المثقفين والمهتمين بالأدب.
البرامج الفكرية: كانت جزءًا مهمًا من بثه، حيث ناقش قضايا ثقافية واجتماعية متنوعة، مسلطًا الضوء على جوانب الفكر العربي الحديث.
أسلوب مميز في التقديم: تميز عمر أبو سالم بصوت دافئ وحضور واثق على الأثير، إضافة إلى أسلوبه العميق في طرح الموضوعات، مما جعل برنامجه مميزًا وجذابًا.
في عام 1971، انتقل أبو سالم إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، التي كانت آنذاك تشهد نهضة إعلامية كبيرة مع قيام الاتحاد وتأسيس مؤسسات الدولة. انضم إلى إذاعة وتلفزيون دبي، وكان من أوائل المذيعين الذين ساهموا في بناء الإعلام الإماراتي من الصفر.
أشهر برامجه كان "مرافئ الليل"، الذي كان يُبث في أوقات متأخرة، ويقدم فيه مختارات شعرية وأدبية تجمع بين الأصالة والحداثة، ما جعل البرنامج محط أنظار المثقفين والمستمعين على حد سواء.
ساهم أبو سالم بشكل فاعل في نقل التجربة الإعلامية الأردنية إلى الإمارات، ودمجها بخبرة خاصة في صياغة المحتوى الإذاعي والفني، ما ساعد في تأسيس إعلام موثوق ومتطور.
لم يكن عمر أبو سالم إعلاميًا فحسب، بل كان شاعرًا مبدعًا يحمل في دواخله صوتًا شعريًا فريدًا، عبر عن تجربته الإنسانية والوطنية بقصائد عميقة تحمل حزن الوطن وأماله. صدرت له عدة مجموعات شعرية نُشرت في عواصم عربية، منها:
"الحكاية منذ البدء" (1966)
"وردة للوطن وقبلة للحبيبة" (1986)
"ليل السفر" (1985)
"طائر الوقت" (1992)
"سيدة الظلال" (1993)
"السنوات المقبلة" (1996)
"أسفار الرحلة وبدايات الخروج" (1985)
في عام 2000، جمعت دار العودة في بيروت أعماله الشعرية في كتاب ضخم بعنوان "الشعر الكامل لعمر أبو سالم"، الذي يوثق تجربته الإبداعية الممتدة لأكثر من ثلاثة عقود.
كان عمر أبو سالم من الأصوات التي جمعت بين الثقافة والإنسانية، وكان صديقا مقربا للشاعر أحمد راشد ثاني، حيث تبادل معه الخبرات الشعرية والمبادرات الثقافية، مما زاد من عمق تجربته الأدبية. شارك في العديد من الأمسيات والمنتديات الأدبية، حيث قدم قصائده التي استقطبت جمهورًا واسعًا عبر عدة دول عربية.
وفي المجال الإعلامي، ساهم في تدريب الأجيال الجديدة من الإعلاميين، وأثرى الساحة الفنية والإعلامية بأسلوبه المتميز الذي جمع بين الإقناع والصدق والتعبير الشعري.
توفي عمر أبو سالم في الثالث من آذار عام 2022 في دبي، بعد حياة حافلة بالعطاء الإعلامي والثقافي. ترك إرثًا غنيًا من الأعمال الشعرية والبرامج الإذاعية التي لا تزال حية في ذاكرة محبيه ووسط الساحة الثقافية العربية.
يبقى عمر أبو سالم رمزًا للتكامل بين الإعلام والشعر، مثالاً على كيف يمكن للفن والكلمة أن يجمعا بين وجدان الإنسان وقضاياه الوطنية والاجتماعية.