في وطنٍ يتغنّى بتمكين الشباب صباح مساء ويضع استراتيجيات وبرامج ومبادرات وشعارات لدمجهم في الحياة العامة، تصدمنا تسريبات التعديل الوزاري المرتقب بأن يزن شديفات أصغر وزير في تاريخ الحكومات الأردنية وأحد القلائل الذين يمثلون هذا الجيل على طاولة القرار قد يكون أول الخارجين.
وما يُثير التساؤل – والقلق – ليس فقط اسم شديفات
بل الرسالة التي يحملها خروجه المحتمل.
فأن يُقصى الشاب الوحيد من التشكيل الوزاري في مرحلة تتطلب ضخ دماء جديدة ومصداقية حقيقية تجاه ملف الشباب فهذه ليست مجرد حركة سياسية عادية بل قرار يُناقض كل ما نادينا به طيلة السنوات الماضية.
من الميدان إلى الحكومة
يزن شديفات لم يكن ابن صالونات سياسية ولا وريثًا لمنصب هو شاب من شباب الوطن خاض تجربة برلمانية حقيقية، وكان صوتًا مستقلًا قويًا في مجلس النواب ونجح في تمثيل الشباب داخل القبة ثم جاء إلى وزارة الشباب حاملًا معه روحًا مختلفة لا تُشبه النمط الحكومي التقليدي.
ومنذ أن تولّى حقيبة الوزارة أعاد شديفات الخطاب إلى لغته الحقيقية: لغة الشباب، لا لغة التقارير.
اقترب من الناس حضر في المحافظات واجه التحديات وتجرّأ على أن يُغيّر نمط الأداء المترهل.
لكن الأهم: أنه كان نموذجًا حيًا لما نريده فعلًا شاب في موقع قيادة يُجسّد التحول من الحديث إلى التنفيذ.
هل المطلوب رأس هذا النموذج؟
إذا كانت التجربة الشبابية الناجحة في الحكومة تُواجه بالإقصاء السريع فماذا نقول لكل شاب يطمح للقيادة؟
هل نُخبرهم أن تمكين الشباب مجرد ورقة للاستهلاك الإعلامي؟ هل نقول إن وجودكم مؤقت مقيد وتحت سقف لا يُسمح بتجاوزه؟
إن حدث فعلاً وتم استبعاد يزن شديفات فهذه ليست مجرد مغادرة وزير بل انسحاب أمل من داخل جسم الدولة ضربة لمشروع التمكين من الداخل.
صفعة لكل من صدّق أن الأردن قد يتجاوز مرحلة الشعارات إلى التطبيق الفعلي.
هل يخيفكم الشباب؟
نطرح السؤال بصوت عالٍ: هل وجود الشباب الحقيقي في موقع القرار يُقلق مراكز القوى؟
هل الوزير الذي يتواصل مع الناس ويصغي لمشاكلهم ويتحدث بلغتهم ويكسر لغة الخشب… يُزعج المنظومة؟
وهل أسهل طريقة للتعامل مع كل صوت مختلف هي إقصاؤه في تعديل روتيني؟
إن كان هناك تقصير أو خطأ فليُحاسب.
أما أن يُستبعد لمجرد أنه "شاب" فهذا قرار يحمل في طيّاته استخفافًا بملف تمّ تقديمه كمشروع وطني لعقد قادم.
لا تقصوا الرموز… إن كنتم تؤمنون بالمشروع
يزن شديفات لا يُمثّل نفسه هو رمز لتحول بدأ.
وإن تم إخراجه من الباب الخلفي للحكومة فسيخرج معه جزء كبير من مصداقية حديث الدولة عن التمكين والدمج وإشراك الشباب.
ما نحتاجه اليوم هو حماية التجارب الشبابية لا تصفيتها. دعم من يحاولون كسر الجمود لا تحميلهم كلفة التغيير.
فمن غير المقبول أن نُقصي من يمثّل الأمل ثم نتساءل: "لماذا فقد الشباب ثقتهم بالدولة؟"
الخلاصة: لا تطفئوا الشمعة الوحيدة
إذا كان لا بد من تعديل فليكن في الاتجاه الصحيح.
أما أن نبدأ بإقصاء الشاب الوحيد في الحكومة فهذه رسالة خطيرة لكل جيل ينتظر فرصته.
لا تجعلوا تمكين الشباب قصة قصيرة… اتركوها تتحول إلى واقع.