في قلب الشمال الأردني، وتحديداً في رحاب جامعة اليرموك بمدينة إربد، عشت تجربة فنية وإنسانية لا تُنسى، وذلك خلال مشاركتي في فعاليات سمبوزيوم مهرجان جرش الدولي للفنون التشكيلية، الذي أُقيم في الفترة من 23 إلى 29 يوليو، بمشاركة ثلاثة وعشرين فناناً وفنانة من ثماني دول مختلفة.
وقد نُظّم هذا الحدث بالشراكة ما بين إدارة مهرجان جرش للثقافة والفنون، وجمعية الرواد للفنون التشكيلية، وجامعة اليرموك ممثلةً بـ مكتبة الحسين بن طلال، وتحت إدارة الفنان القدير الدكتور خليل الكوفحي، الذي كان لحضوره ولمسته الإدارية والفنية دور كبير في إثراء هذا اللقاء.
جمعتنا محبة الفن، ورغبتنا الصادقة في الإبداع، وكانت أيامنا هناك زاخرة بالحوار الفني، والتبادل الثقافي، واللقاءات التي تتجاوز حدود الجغرافيا واللغة. إنني ممتنة لكل الجهود التي ساهمت في إنجاح هذا الحدث، وأخص بالذكر المنظمين الذين استطاعوا نقل صورة مشرّفة عن الفن، والثقافة، والحضارة الأردنية.
فقد أصبح كل فنان مشارك بمثابة سفير للجمال الأردني، يحمل في ذاكرته صورة لا تُمحى عن هذا البلد العريق.
كانت الورش الفنية أكثر من مجرد لقاء بين فرشاة وألوان؛ كانت ورشةً للروح. تبادلنا الأفكار، واطّلعنا على تقنيات وأساليب متعددة، فاكتشفنا أن الفن لغة عالمية، قادرة على جمع القلوب مهما اختلفت المشارب. في تلك اللحظات، شعرت وكأنني أتنفّس الألوان، وأترجم دهشة اللحظة إلى خطوط ومساحات تنبض بالحياة. ومن رحم هذه التجربة، أنجزتُ عملين فنيين حملا بصمتي الخاصة، وانعكسا بروح هذا اللقاء الفريد.
ومن الفن داخل جدران الورش إلى الجمال الذي تحتضنه الأرض، أخذنا السمبوزيوم في رحلة إلى "أم قيس"، حيث يتكئ التاريخ على التلال المطلّة على بحيرة طبريا وهضبة الجولان. كانت الشمس هناك تكتب قصص حضاراتٍ مضت على الحجارة القديمة، وتغرس فينا شعوراً بالتجذر والانتماء. ألهمتني الأحجار والظلال والألوان الدافئة، واستشعرتُ عبقرية الإنسان حين يمتزج بالحضارة والمكان، تلك الحضارة التي يجب أن تستمر وتدوم، مهما أثقلت سماءنا الغيوم، لأن الفكر الحر والثقافة العميقة لا تزول.
ومن أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، حملتنا الرحلة إلى البتراء، المدينة الوردية وأيقونة الجمال النحتي. أمام واجهاتها المنحوتة في الصخر، شعرتُ أنني أقف أمام أسطورة خالدة. كانت البتراء بالنسبة لي مدرسة بصرية كاملة، أشعلت في داخلي أفكاراً جديدة ستنمو في لوحاتي القادمة. لقد سكن هذا المكان روح كل فنانٍ زاره، وامتزجت عبقريته بقصص الماضي لتُلهِم حكايات فنية في المستقبل.
لقد تجاوز هذا السمبوزيوم كونه مجرد فعالية فنية؛ كان تجربة إنسانية متكاملة، أعادت إليّ الإيمان العميق بأن الفن جسر تلتقي عنده الأرواح، وتتحرر فيه الإبداعات، وتُبنى من خلاله جسور التواصل بين الشعوب.
وفي كل لحظة، كنت أقول لنفسي:
> "في كل لونٍ وضعته على لوحاتي، كان يسكنني شيءٌ من الأردن... شماله وجنوبه، حجارة أم قيس، ووردية البتراء."
وقد قدّم الفنانون المشاركون أعمالاً تنبض بالحياة والتنوع، تجسدت فيها مدارس وأساليب تشكيلية متعددة، فكان المعرض الختامي بمثابة فسيفساء عالمية نُسجت خيوطها على أرض الأردن، تأكيدًا على أن الفن لغة تتجاوز الحدود.
واختُتمت فعاليات السمبوزيوم في أجواء سادها الفرح والتقدير، حيث مُنحت الشهادات التكريمية، وتبادل الفنانون عبارات الامتنان والمحبة، في ختام يليق بهذه المنصة الثقافية التي أتاحت لجمال الأردن أن يتجلى، وللفنانين أن يعبّروا ويبدعوا.
هذا اللقاء سيبقى في قلبي علامة فارقة، ومحطة مضيئة في مسيرتي الفنية، أحمل منه لوحات، وصداقات، وذكريات، سترافقني أينما ذهبت، وتبقى شاهدة على أن الفن أصدق ما يجمعنا.