في زمنٍ كثر فيه الضجيج وقلّ الفعل، وسقطت فيه أوراق التوت عن كثير من الشعارات، بقيت الأيادي الهاشمية ممتدةً نحو غزة لا تبتغي جزاءً ولا شكوراً، بل تمارس دورها التاريخي الذي ورثته عن إرث النبوة: نصرة المظلوم، ووفاء العهد، وثبات الموقف.
غزة، التي تنزف تحت الحصار والنار، لم تكن يوماً بعيدةً عن وجدان القيادة الهاشمية، لا في السلم ولا في الحرب. فمنذ اللحظة الأولى للعدوان، تحركت القوافل الأردنية – الطبية والغذائية – تعبر الصحارى إلى معبر رفح، تحمل على ظهرها معنى الأخوّة لا مجرد المعونة. لم تكن مجرد شحنات، بل كانت رسالة واضحة: أن في الأمة من لا يزال يرى في فلسطين قضيته الأولى، وفي غزة ضميره الحي.
الملك عبدالله الثاني، بصفته صاحب الوصاية على المقدسات، لم يقف عند حدود السياسة، بل كان أول من دعا علناً لوقف العدوان، وأكد أن كرامة الفلسطيني من كرامة الأردني، وحرمة الدم الفلسطيني من حرمة كل حرٍّ شريف. أمّا الجيش العربي، فلم تغب عنه روح النخوة، فأنشأ المستشفى الميداني الأردني في قلب غزة، يضمد جراح المصابين، ويزرع شيئاً من الأمل في أرض تتنفس الألم.
ولم يكن الدعم فقط في المواقف الرسمية، بل في المسارعة إلى إرسال الأطباء، والكوادر، وشحنات الدم، والطعام، والدواء، حتى في أشدّ لحظات التضييق الإقليمي والدولي. هي سياسة لا تبحث عن التصفيق، بل عن الثبات الأخلاقي.
في الوقت الذي ارتهنت فيه بعض العواصم للمواقف الرمادية، ظلّ الصوت الهاشمي واضحاً لا يعرف الازدواجية. دعم إنساني مستمر، موقف سياسي ثابت، ووفاء لا يُقاس بالأضواء بل بالأثر.
إنه دَور لا يُقال فيه أكثر مما يُفعل، ولا يُروَّج له بقدر ما يُنجز في الميدان، فالأفعال الصادقة لا تحتاج إلى صخب الإعلام، بل تشهد لها دموع المصابين، وابتسامة أمٍّ أنقذ دواؤها كل الأطفال. من الموت.. مركز العلاج السرطاني أكبر شاهد. نوافذ المشفى تطل على قرية شفا بدران. وقلب الملك ونحن نرحب بعروق أطفال الخيام.
اسأل الله ان تحتويك كل النوافذ التي تنظر من خلالها امهاتكم الى سهول عمان. نصركم الله..