بعد زيارة مبعوث الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن ويتكوف، إلى قطاع غزة لتقييم الأوضاع الإنسانية الكارثية، يُطرح مجدداً السؤال عن جدية المجتمع الدولي في استئناف مفاوضات وقف إطلاق النار. لكن مع قرار الكنيست الإسرائيلي بضم أجزاء من قطاع غزة، تبدو النوايا الحقيقية أبعد ما تكون عن السعي لهدنة دائمة.
المؤشرات الحالية لا تدل على وجود أي نية لوقف إطلاق النار. فإسرائيل والولايات المتحدة لا تُعيران ملف الأسرى اهتماماً حقيقياً، إذ ترى تل أبيب أن العدد المتبقي منهم لا يشكل خطراً على أمنها القومي. الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب تبدو ماضية في استراتيجيتها القائمة على الضغط العسكري المكثف على حركة حماس، في محاولة لإجبارها على الاستسلام. هذا الضغط قد يتطور إلى تنفيذ عمليات اغتيال تستهدف قيادات بارزة في الحركة، حتى تروج إسرائيل لرواية "الانتصار العسكري" أمام الرأي العام.
إحدى الخطوات التي تعتزم إسرائيل اتخاذها هي تحميل حماس مسؤولية عرقلة جهود التهدئة، وتصويرها كسبب مباشر لمعاناة الشعب الغزّي، في إطار خطة تهدف لتبرير مشروع التهجير القسري. وفق هذا السيناريو، يصبح الخيار الوحيد المتاح أمام سكان غزة هو مغادرة القطاع، بعد أن تُغلق في وجوههم كل أبواب الأمل، سواء في وقف إطلاق النار أو في استعادة الحياة الطبيعية.
لكن في ظل انسداد أفق الحل في غزة، تبدو تل أبيب ماضية نحو فتح جبهة أخرى، ربما تكون إيران هذه المرة. بعد سلسلة مناورات عسكرية واختبارات دقيقة لقدرات الردع الإيرانية، يبدو أن إسرائيل تعدّ العدة لمواجهة ستكون الأشد فتكاً وتعقيداً. خطوة كهذه قد تفسر سحب ألوية عسكرية من قطاع غزة، كما فعلت تل أبيب قبيل شن حربها على الجنوب اللبناني سابقاً.
الجيش الإسرائيلي، الذي بدأ يفقد شهيته في المعارك طويلة الأمد داخل غزة، يُمهَّد له الآن للانتقال إلى ساحة قتال جديدة. إلا أن الحرب المحتملة بين إيران وإسرائيل تثير تساؤلات خطيرة:
كيف ستبدأ شرارة هذه الحرب؟ هل عبر قصف المنشآت النووية؟ أم بعمليات اغتيال في قلب طهران؟ أم بمحاولة إسقاط النظام الإيراني؟
هل ستكون الولايات المتحدة شريكاً مباشراً في هذه المواجهة؟ أم ستبقى في حالة من التردد؟
هل ستقف روسيا متفرجة، خاصة بعد أن مُنحت مهلة لإنهاء حربها مع أوكرانيا؟
هل ستنفذ إيران تهديدها بشلّ إسرائيل عبر ضربات صاروخية وشبكاتها الإقليمية؟
وربما الأهم من كل ذلك: من سيملك مفتاح إنهاء هذه الحرب إن اندلعت؟
في المشهد الراهن، يبدو أن إسرائيل لا تبحث عن إنهاء ملف غزة، بل عن فتح ملفات جديدة تعيد تشكيل أولويات المنطقة. ومع غياب أفق التسويات السياسية الحقيقية، تظل سيناريوهات التصعيد هي الأكثر ترجيحاً.