في حياة كل إنسان، تمر عليه لحظات تختبر صبره، وتكسبه خبرات، وتكشف له عن عمق الذات البشرية. أما أنا، فقد كنت ممن خاضوا تجارب متنوعة مع الناس، من كبار القوم وصغارهم، من ذوي المناصب والجاه، ومن عامة الناس وأبسطهم. وما بين هذا وذاك، تعلمت دروسًا لا تُقدّر بثمن.
مع كبار القوم: وقار المواقف وزيف الأقنعة
في علاقاتي مع "كبار القوم" – أي أصحاب المكانة الاجتماعية والسلطة – رأيت وجوهًا شتى. منهم من اتصف بالحكمة والتواضع، فكنت أخرج من لقائه وأنا أكثر إدراكًا للحياة، أشعر أنني اقتربت من جوهر النضج. ولكن، لا أنكر أنني في مرات أخرى وجدت الزهو والاستعلاء يغطي على المعنى الحقيقي للقيمة. فبعضهم لم يرَ في الآخرين إلا أدوات أو أرقامًا على سلم مصالحه.
تعلمت من هؤلاء أن المكانة لا تصنع الإنسان، وأن الوقار الظاهري قد يخفي خواء داخليًا. فهمت أن الاحترام يجب أن يُمنح على أساس القيم، لا على أساس المظهر أو اللقب.
مع صغار القوم: بساطة الحياة وصدق المشاعر
أما علاقتي بصغار القوم، فكانت مرآةً لحقيقة الإنسان. هم أكثر من منحوني لحظات صدق، وعلّموني أن العطاء لا يحتاج إلى ثروة. في جلسة مع عامل بسيط أو فلاح شريف، وجدت من الكرم ما لا أجده في الولائم الفاخرة. هم من يبتسم رغم الألم، ويقدم رغم القلة، ويحب دون حساب.
هؤلاء علموني أن الإنسان يُقاس بقلبه، لا بحساباته البنكية، وأن القوة أحيانًا تكمن في من ينهض كل صباح ويواصل كفاحه في صمت.
التجارب الطيبة والسيئة: وجهان لحقيقة واحدة:
خضت علاقاتٍ كانت بمثابة نعمة، وأخرى تركت في قلبي ندوبًا. أحببت من وفى، وغُدرت ممن وثقت بهم. ولكن حتى من خذلني، أهداني درسًا: لا تثق بأحد ثقة عمياء، ولا تندم على طيبة قلبك، فإنك تعطي من أخلاقك لا من استحقاقهم.
وفي النهاية، تيقنت أن كل علاقة، سواء انتهت بخير أو شر، هي لبنة في بناء ذاتي. لا أحمل ضغينة، لكنني لا أنسى. أصفح، لكنني لا أعود للخطأ مرتين.
وفي النهاية أيقنت أن الحياة مدرسة، والناس هم معلموها، وكل تجربة – مهما كانت مؤلمة – تزيدك فهمًا ووعيًا. من كبار القوم تعلمت التقدير الحقيقي للقيم، ومن صغارهم تعلمت معنى البساطة والصدق. وبين هؤلاء وأولئك، وجدت نفسي.