رغم صعوبة تقبّل مطالبة أي دولة بوضع شروط لوقف إطلاق النار في غزة، كالتخلي عن سلاح غزة أو تحديد من يقودها، إلا أن الأمر قد يُفهم ضمن منطق المصالح والتحالفات. لكن أن تصدر مثل هذه المطالب من ألمانيا تحديدًا، فهو ما يصعب قبوله أو تبريره.
كيف لألمانيا، التي لم تبرأ بعد من إرث مذابحها في إفريقيا، والهولوكوست النازي ضد اليهود، وعدوانها على جيرانها الأوروبيين، وتعاليها بالعنصر الجرماني، أن تجرؤ على فرض شروط على الشعب الفلسطيني؟ وهل تريد ألمانيا أن تُكفّر عن ذنوبها التاريخية بذبح الفلسطينيين، وسلبهم حقهم في اختيار من يمثلهم، ومن يقودهم، أياً كان هذا القائد، ما دام خيارًا نابعًا من إرادة الشعب الفلسطيني نفسه؟
إن الشعب الفلسطيني، رغم ما يعانيه من الاحتلال وجرائمه، يُعدّ من أكثر شعوب الأرض تعليمًا وثقافة، ويملك كفاءات عالية في مختلف المجالات. ومن المخجل أن تتورط ألمانيا، صاحبة التاريخ الثقافي العريق والإنجازات التكنولوجية الرائدة، في مواقف سياسية تخالف المبادئ الإنسانية، وتبدو كأنها تعيد إنتاج أسوأ ما في ماضيها.
لقد آن لألمانيا أن تتحرر من إرثها النازي الثقيل، وأن تستغل هذه الفرصة التاريخية لتغسل ما علق بها من عار ذلك الماضي. الفرصة قائمة الآن، فمرتكبو الجرائم في غزة قد فاقوا – في وحشيتهم – ما ارتكبته النازية. وهذه لحظة تاريخية يجب أن تدفع ألمانيا إلى الوقوف مع العدالة والإنسانية، وأن تفضح الإجرام الصهيوني بوضوح لا لبس فيه.