منذ تصاعد الأزمة الإنسانية في غزة والضفة الغربية، تصدّر الأردن المشهد العربي في تقديم المساعدات العاجلة عبر القوافل البرية، والمستشفيات الميدانية في خان يونس والشمال والإنزالات الجوية.
ورغم محدودية الإمكانيات اللوجستية للإنزالات الجوية مقارنة بالقوافل، حرصت عمّان على إيصال رسالة سياسية وإنسانية مفادها أن الأردن موجود في الميدان، ولن يتخلى عن مسؤوليته التاريخية تجاه فلسطين.
إلا أن تغطية الإعلام الغربي، خاصة المنصات الكبرى مثل (The Washington Post) و(The Guardian) و(El País) و(Le Monde)، اتخذت مسارًا متقاربًا في التقليل من جدوى الدور الأردني وتصويره كعمل رمزي غير فعّال، وتجاهلت متعمدة الجهود الموازية التي يبذلها الأردن.
ثانيًا: مؤشرات على الطابع الممنهج للهجمة
1. يتم تكرار نفس المفردات والمصطلحات في وسائل إعلام مختلفة: مثل "ineffective"، "cosmetic"، "symbolic gesture"، مما يشير إلى وجود خطاب موحّد وليس تقييمًا مستقلًا لكل وسيلة.
2. انتقائية في عرض الحقائق: إبراز مشاهد سقوط المساعدات في البحر أو التزاحم عليها، مع تجاهل متعمد لنجاح الأردن في إيصال مساعدات برية منتظمة، وتجاهل دور المستشفيات الميدانية الأردني في غزة.
3. التزامن مع لحظات سياسية حساسة: الهجمة تشتد كلما زاد النشاط الدبلوماسي الأردني، مثل تحركاته في الأمم المتحدة أو مشاوراته مع أطراف أوروبية.
4. إسناد الهجمة لمصادر مجهولة أو مشكوك بها: الاعتماد على تصريحات منظمات أو شخصيات لا تعمل ميدانيًا في غزة، أو نقل بيانات دون تحقق من مصادر محايدة واستخدام ابواق مأجورة من منطقتنا .
ثالثًا: دور الجهات الاستخبارية الإسرائيلية
الإعلام الغربي المؤثر، خصوصًا الأمريكي والبريطاني، يتعرض منذ عقود لتأثير اللوبي الإسرائيلي وأذرعه الإعلامية مثل (AIPAC) و(BICOM) و(Camera).
هذه الأذرع لا تكتفي بالتأثير التحريري المباشر، بل تعتمد على تغذية غرف الأخبار بمعلومات وتحليلات مصدرها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، خاصة وحدة العلاقات الإعلامية في وزارة الخارجية الإسرائيلية ووحدة "لاهاف" التابعة للموساد.
الهدف هو صياغة رواية موحّدة تدعم الموقف الإسرائيلي وتُضعف مواقف الدول أو الأطراف التي يمكن أن تشكل عقبة أمام الترتيبات الإسرائيلية المستقبلية، وفي مقدمتها الأردن.
الهجوم على الأردن يخدم غرضين استخباراتيين:
1. إضعاف شرعية دوره التاريخي في القدس والضفة الغربية، تمهيدًا لتقاسم مشوه أو إلغاء هذا الدور.
2. خلق فجوة بين الأردن والرأي العام الفلسطيني، بما يسهّل تمرير مشاريع التوطين أو الكونفدرالية.
رابعًا: الأهداف السياسية بعيدة المدى للهجمة
1. إزاحة الأردن عن مركز القيادة في الملف الفلسطيني.
2. إضعاف الموقف الأردني الرافض للتوطين.
3. إعادة صياغة موازين القوى في الإقليم عبر إدخال لاعبين جدد مثل تركيا أو الإمارات أو قطر ليحلوا محل الأردن.
4. إضعاف الموقف التفاوضي الأردني مستقبلاً.
خامسًا: مقترح توصيات استراتيجية لمواجهة الحملة
1. تفعيل الإعلام المضاد: إعداد ملفات مرئية ومكتوبة تُظهر الحقائق الميدانية لدور الأردن الإنساني.
2. كشف التورط الاستخباراتي علنًا: نشر تقارير موثقة عن تأثير اللوبي الإسرائيلي على الإعلام الغربي.
3. تعزيز العلاقات مع الإعلام غير المهيمن عليه غربيًا.
4. إطلاق دبلوماسية إعلامية نشطة: إشراك شخصيات أردنية بارزة في المنتديات الدولية للدفاع عن الموقف الأردني.
5. ربط الهجوم بمشاريع سياسية مشبوهة.
خلاصة القول
إن الهجمة الإعلامية الغربية على الأردن ليست عفوية ولا مجرد تقييم فني للإنزالات الجوية، بل هي جزء من حرب سرديات مدعومة من أجهزة استخبارات إسرائيلية وبأذرع مأجورة من ابناء جلدتنا تهدف إلى إضعاف مكانة الأردن في الملف الفلسطيني، وتقويض دوره التاريخي والسياسي