تشير بيانات منشورة في تقرير عالمي صدر عن مجلة فوربس الشرق الأوسط (أكتوبر 2024)، واستنادًا إلى بيانات Global SWF، إلى أن أصول صناديق الثروة السيادية في أبوظبي تجاوزت حاجز 1.8 تريليون دولار، ما يجعلها من بين أكبر الكيانات الاستثمارية في العالم. تدار هذه الأصول من خلال ثلاث مؤسسات كبرى هي: جهاز أبوظبي للاستثمار (ADIA) بنحو 1.1 تريليون دولار، مبادلة بـ 350 مليار دولار، والقابضة ADQ بحوالي 250 مليار دولار. وتُسهم هذه الكيانات مجتمعة في توجيه استثمارات ضخمة نحو قطاعات الذكاء الاصطناعي، الطاقة النظيفة، البنية التحتية، والصناعات المستقبلية في أكثر من 50 دولة.
القرار الاستثماري: الجدوى أولًا... ثم السياسة
رغم أن هذه الصناديق تمثل ذراعًا ماليًا لحكوماتها، فإن قراراتها الاستثمارية تُبنى أولًا وأساسًا على معايير الجدوى والعائد المالي. فالعامل الحاسم عند تقييم دولة ما للاستثمار لا يرتبط بالمواقف السياسية أو الجغرافيا، بل بعوامل مثل استقرار العائد، وضوح التشريعات، فرص النمو، وانخفاض المخاطر. تأتي الاعتبارات السياسية والعلاقات الثنائية في المرتبة الثانية، إما لتسهيل البيئة أو لخلق شراكات استراتيجية، لكنها لا تُشكّل المحرك الرئيسي للقرار الاستثماري.
البيئة الاستثمارية الجاذبة: شروط الدخول إلى نادي المستفيدين
تشير تجارب الدول التي جذبت هذه الصناديق إلى وجود عوامل تجعلها مغرية لرأس المال السيادي، مثل: حوافز ضريبية مستقرة، تشريعات حماية المستثمر، حرية تحويل الأرباح، وجود مراكز مالية منظمة، استقلال القضاء، والاستقرار النقدي والسياسي. في حالات مثل سنغافورة والنرويج وأستراليا وقطر والسعودية، أسهمت هذه الشروط في تحويل تدفقات الاستثمار إلى أدوات لتعزيز النمو وخلق الوظائف.
الاستثمارات الخليجية في أوروبا وأمريكا: عوائد متبادلة ونتائج استراتيجية
تشكل الأسواق المتقدمة في أوروبا وأمريكا الشمالية وجهة تقليدية ومفضّلة للصناديق السيادية الخليجية، حيث تسعى هذه الصناديق إلى استقرار العوائد وتنوع المحافظ. ومن أبرز استثماراتها في قطاعات التكنولوجيا (مثل Tesla وUber)، البنية التحتية (مطارات وموانئ)، العقارات الفاخرة، والرياضة (مثل نادي نيوكاسل). وقد حققت هذه الصناديق عوائد مالية مستقرة وطويلة الأجل، وحسّنت من تنوع محافظها، وبنت شراكات مع شركات عالمية. أما على صعيد الدول المستضيفة، فقد ساهمت هذه الاستثمارات في إنقاذ شركات، وتمويل مشاريع كبرى، وخلق وظائف، وتحفيز الابتكار، ما دفع بعض الحكومات الغربية إلى تنظيمها دون الحد منها نظرًا لأثرها الإيجابي.
الأردن: كيف يمكن الاستفادة؟
رغم التحديات، يمتلك الأردن خصائص قادرة على جذب الصناديق السيادية إذا ما تم تعزيز نقاط القوة وتجاوز بعض المعوقات. ويمكن الاستفادة من التجارب الناجحة عبر إعادة هيكلة قانون الاستثمار، تطوير أدوات تمويل مشترك، إطلاق مناطق اقتصادية خاصة، وتعزيز الشراكات مع مؤسسات التقييم الدولية. إذا نجح الأردن في جذب صناديق مثل مبادلة أو ADIA أو صندوق الاستثمارات العامة السعودي، فسيُسهم ذلك مباشرة في تحفيز القطاعات الإنتاجية، ورفع الناتج المحلي، وخفض البطالة عبر وظائف نوعية.
الصناديق السيادية ليست مجرد أدوات لتكديس الثروة، بل محركات لإعادة تشكيل الاقتصاد العالمي. والدول التي تؤهل نفسها لجذب هذه الاستثمارات لا تحصل فقط على تمويل، بل على فرصة لإعادة هيكلة اقتصاداتها وتنشيط سوق العمل وتعزيز الاستقلال الاقتصادي. والأردن مؤهل أن يكون جزءًا من هذه الخريطة إذا أحسن صياغة بيئته الاستثمارية وفق معايير هذه الصناديق.