في لحظة إنسانية مؤلمة يعيشها أهلنا في غزة، خرجت كلمات جلالة الملك عبدالله الثاني، حفظه الله ورعاه، لتكون أكثر من خطاب، وأبعد من مجرد موقف. كانت كلماته رسالة وطنية وإنسانية واضحة، تُجسد ضمير دولة، ووعي قائد، وثبات شعب.
الأردن كان وسيبقى السند الأكبر لغزة، بهذه العبارة لخّص جلالة الملك الموقف الأردني الثابت، الذي لم يتغير منذ عقود. فدعم غزة لم يكن يوماً خطوة إعلامية أو مصلحة سياسية مؤقتة، بل جزءٌ من الهوية الوطنية والإنسانية للأردن. إنه دعم نابع من إيمان راسخ بأن الوقوف إلى جانب المظلوم واجب لا تفضُّل، ومسؤولية لا يُمنّ بها، بل التزام أخلاقي لا يحيد.
تحدث جلالة الملك عن الغضب العارم الذي يعتصر قلوب الأردنيين، وقال بصراحة: "وأنا أول من يشعر بذلك”. هذه الكلمات تكشف عمق التلاحم بين القيادة والشعب، بين الألم الصادق والموقف العملي. فالمملكة لم تكتفِ بإدانة العدوان، بل كثّفت جسر الإغاثة الجوي، وتحركت سياسياً عبر اتصالات ولقاءات فاعلة، لتضغط نحو وقف الحرب، وكأنها تقول: نتألم، نعم، لكننا لا نقف مكتوفي الأيدي.
وفي لحظة تفيض بالعاطفة، لم تغب عنها الحكمة. فقد شدد جلالة الملك على ضرورة الموازنة بين الحزن على غزة، واستمرار مظاهر الحياة في الأردن. وهنا تتجلى رؤية عميقة تُدرك أن إضعاف الداخل لا يخدم الأشقاء، بل يقوّي المعتدي ويزيد المأساة. قالها الملك بوضوح: "غزة تحتاج إلى أردن قوي، وقوة الأردن هي قوة لفلسطين، وكل القضايا العادلة.”
إن هذا الطرح لا يدعو إلى تجاهل الكارثة، بل إلى خدمتها بواقعية، واستثمار كل عناصر القوة الوطنية: اقتصاداً، واستقراراً، ووحدة داخلية، لتصب في مصلحة القضية لا أن تُستنزف باسمها.
ومن أبرز ما ورد في حديث جلالته، دعوة واضحة لاحترام تنوع أساليب التعبير، دون تخوين أو تشهير. ففي زمن الفوضى والمزايدات، جاءت هذه الدعوة لتعيد البوصلة إلى العقل والحكمة والإنصاف، فالوحدة الوطنية هي درع الوطن، واختلاف الرأي لا يجوز أن يتحول إلى انقسام أو خصومة.
كلمات جلالة الملك لم تكن مجرد تضامن مع غزة، بل كانت بيان موقف، ودرساً في القيادة المتزنة، ورسالة لمن يريد أن يفهم كيف يكون الوقوف مع فلسطين فعلًا لا شعاراً.
نحن مع غزة… ولكننا أيضاً مع بقاء بلدنا قوياً، صامداً، فاعلاً، لأن من أراد أن يساند قضايا أمته، فعليه أن يصون وطنه أولاً.