في زمن قلّ فيه العلماء العاملون ، وندر فيه الصادقون الذين يمزجون العلم بالخلق ، والهيبة بالتواضع ، والقول بالعمل ، يبرز اسم سماحة الشيخ محمود شويات ، واحدًا من علماء الإسلام المعاصرين ، الذين سطّروا سيرتهم بحروف من نور ، وخطوا مسيرتهم بالصدق والإخلاص ، فكانوا قدوة حسنة ومثالًا يحتذى .
لقد خدم سماحته طويلًا في مديرية الإفتاء في القوات المسلحة الأردنية ، حيث عاش بين الجنود والضباط ، معلّمًا وناصحًا ومرشدًا ، يُعلي راية الحق ويصون العقيدة ، ويجمع بين الفتوى العسكرية المنضبطة ، والفقه الشرعي العميق ، حتى بلغ أرفع المواقع في هذا المجال ، فكان مفتيًا عامًا للقوات المسلحة الأردنية ، وحاز رتبة لواء بجدارة ، ليس من باب التشريف فقط ، بل لِما تركه من أثر عظيم في بناء الوعي الديني والأخلاقي لدى أبناء المؤسسة العسكرية.
بالإضافة إلى حضوره المميز في الميادين العسكرية والبرلمانية ، كان لسماحة الشيخ محمود شويات دور بارز في الإذاعة والتلفزيون الأردني ، حيث شارك في العديد من البرامج الدينية والإرشادية التي خاطبت الناس بلغتهم القريبة إلى القلب ، ووضّحت مفاهيم الإسلام السمحة ، وردّت على الشبهات بالحجة والبيان .
كان حضوره الإعلامي يتسم بالهدوء والوقار والإتزان ، فاستطاع أن يكسب إحترام المشاهدين والمستمعين ، وأن يُقدّم صورة العالم المسلم المتنور ، البعيد عن التعصب ، القريب من الناس وهمومهم .
لقد كانت مشاركاته نافذةً من نور ، ساهمت في نشر الوعي الديني المعتدل ، وترسيخ قيم الرحمة والتسامح ، بما يعكس رسالته في الدعوة إلى الله على بصيرة .
لم يكن الشيخ محمود شويات مجرد رجل فتوى ، بل داعية إسلامي حكيم ، يعرف كيف يخاطب القلوب قبل العقول ، مؤمنًا بـ وسطية الإسلام وإعتداله ، نابذًا لكل فكر متطرف ، محذّرًا من الكراهية والغلو والإرهاب ، مناديًا بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، جامعًا بين متانة الفقه ورحابة الصدر ودماثة الخلق.
وعندما اختير عضوًا في مجلس الأعيان الأردني ، لم يكن ذلك إلا امتدادًا لدوره الوطني والديني ، ومكانته العلمية والأخلاقية ، فحمل صوته الهادئ إلى منابر التشريع ، وشارك بفكره النير في خدمة الأردن وقيادته الهاشمية ، واضعًا نصب عينيه مصلحة الوطن ، ومكرّسًا جهده لتعزيز القيم الإسلامية في التشريع والسياسة العامة.
لقد عُرف سماحته بـ تواضعه الجم ، وأدبه الرفيع ، فلا ترى فيه تكلفًا ولا ترفعًا ، ولا تسمع منه إلا ما يفيض حكمة ورحمة ، فكان قريبًا من الناس ، بعيدًا عن الأضواء التي لم تغره ، ولا المناصب التي لم تُغَيِّر من طبيعته الصادقة.
إننا حين نكتب عن الشيخ محمود شويات ، فإنما نكتب عن مدرسة أخلاقية وعلمية متكاملة ، تذكرنا بعلماء السلف في هيبتهم ، وصدقهم ، وزهدهم ، وحرصهم على مصالح الأمة.
فله منا كل التقدير والإحترام ، ودعاؤنا له بالصحة وطول العمر ، وأن يبارك الله في علمه وعطائه ، ويجعل كل ما قدمه في ميزان حسناته.