في زمنٍ تتكسر فيه المبادئ على صخرة المصالح، ويُزيَّف فيه الموقف تحت مظلة التحالفات، يظهر الأردن كالفارس النبيل في ميادين السياسة، لا يلوّح بسيفه عبثًا، ولا يغمده حين يُظلم الحق.
هو سيف الحق، لا يخشى لوم اللائم، ولا يصمت عن انكسار العدالة.
الأردن لا يعتدي، لكنه لا يتنازل. لا يساوم، لكنه يُفاوض بشرف، ولا يتخلى عن الثوابت مهما اشتدت الضغوط.
خصومته واضحة، لا تُغلفها المجاملات، وطرحه مباشر، لا يعرف الالتواء.
هكذا كانت الدولة، وهكذا بقيت وما زالت، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، الذي جعل من الكرامة السياسية نهجًا لا خطبة.
في قضايا الأمة الكبرى، وعلى رأسها فلسطين، لم يخذل الأردن أشقاءه، ولم ينسَ وصايته، ولم يُغلق حدوده في وجه الملهوفين.
كان صدرًا واسعًا، وضميرًا حيًا، وسورًا منيعًا في وجه مشاريع التقسيم.
صوت الأردن مسموع لأنه نقي، وموقفه محترم لأنه لا يتلوّن، بل يستند إلى إرث طويل من الحكمة.
والحكمة لا تعني الضعف، بل تعني أن السيف لا يُشهر إلا عندما تُغلق أبواب الحق.
هذا الوطن الصغير بحجمه، الكبير بموقفه، اختار أن يكون صمام أمان لا شعلة صراع، لكنه حين يُستفز، لا يتردد في رد الظلم بحزم لا انفعال.
فالسيف الأردني، وإن طال هدوؤه، لا يصيب إلا الظلم، ولا يرتجف أمام الطغيان والتمادي.
ولعل من أبرز المواقف التي تجلّت فيها الفروسية الأردنية، ما يقوم به تجاه غزة الجريحة.
فالمساعدات الأردنية لا تنقطع، وهي تكسر كل يوم حاجز الحصار الخانق الذي يزداد شراسة.
وفي كل شحنة طبية أو طرد غذائي، يقرأ الغزيون رسالة محبة، وينطق لسان حالهم:
"شكرًا لله، ثم شكرًا للأردن، قيادةً وشعبًا وجيشًا".
الأردن يدرك أن الوقوف مع غزة ليس فقط التزامًا أخلاقيًا، بل هو موقف وطني ثابت من قضية مركزية تمس ضمير الأمة بأسرها.
ولذلك، فإن حضوره المتواصل والداعم يُعبّر عن سياسة راسخة، وموقف متزن لا يخضع للمزايدات، بل يُترجم على الأرض أفعالًا لا شعارات.
ورغم الاستحسان الدولي والعربي لهذا الدور، إلا أن بعض الأبواق المغرضة و"الذباب الإلكتروني" يحاولون تشويه الصورة، إما جهلًا أو حقدًا.
لكن الحقيقة تبقى ناصعة؛ فالأردن لا ينتظر إشادة من طاعنين في المروءة، بل يواصل طريقه بثقة، لأن البوصلة عنده لا تحيد: نحو الكرامة، والحق، والإنسان.