في خضم رحلتي الجامعية، وقبل أن أضع اللمسة الأخيرة على مشواري الأكاديمي بفصل دراسي واحد، أجدني مُلزماً بتوثيق الفضل والاعتراف بمكانة من أثروا مسيرتي العلمية. في هذه الوقفة، أُخص بالذكر الدكتور ريحان المساعيد، أستاذ الأدب في قسم اللغة العربية بجامعة الزرقاء، الذي كان له حضورٌ يفوق الوصف وبصمةٌ راسخة في وجداني الأكاديمي.
بداية لا تُنسى: هيبة العلم وجلال المحاضر
تجربتي مع الدكتور المساعيد بدأت في أولى محاضرات الأدب الجاهلي، حيث دخل القاعة بخطواتٍ واثقة، ونظرةٍ حازمة تُشعر الجميع بالهيبة والوقار. منذ تلك اللحظة، كان واضحاً أنني أمام شخصية متميزة، لا تقتصر مهمتها على نقل المعرفة فحسب، بل على جعل الأدب ينبض حياةً ويُجسّد التاريخ بأعمق معانيه.
الأدب في منظوره: سلسلة متصلة من الفهم والتأسيس
لم يكن الدكتور مجرد ناقل للمعلومات، بل مؤسس لرؤية أدبية شاملة. فالأدب في منظوره سلسلة متصلة، تبدأ بالعصر الجاهلي وتتطور إلى العصر الحديث، ولا يمكن فهم حلقاتها إلا بتأسيس متين. هذه النظرة جعلتني أدرك أن التعمق في الأدب لا يتأتّى إلا بفهم عميق لأساسياته، وهو ما كان يحرص على ترسيخه بصرامة وحزم.
صرامة تبني ... لا تهدم
كانت صرامة الدكتور ريحان المساعيد مدروسة وهادفة، ترتكز على إرساء قواعد متينة للطلبة. لم تكن قسوة بلا معنى، بل كانت صرامة تبني ولا تهدم، تهدف إلى تأهيل الطالب لفهم الأدب بشكل عميق واستيعاب تفاصيله الدقيقة، مما يؤهله للتقدم بثقة في دراسة باقي المساقات الأدبية.
رغم العلامات الجيدة التي حققتها في المساقات التي درسني إياها، أؤمن أن المكسب الحقيقي هو الأثر الذي لاحظته بعد الانتقال لمتابعة دراسة مواد الأدب الأخرى، حيث تجلّى الفرق الكبير في الفهم والتمكن نتيجة القواعد الصلبة التي تم تأسيسها في البداية.
علاقة تفاعلية تنسج الأدب بالحياة
لم تكن المحاضرات مجرد سرد نظري، بل حوار حيّ يربط بين الأدب وواقع الحياة، خصوصاً مع خلفيتي البدوية التي وجد فيها الدكتور مادة حية ليُثري بها الشرح. كان يستشهد بي في كثير من الأحيان لتوضيح مظاهر الحياة الاجتماعية في الشعر الجاهلي، ما أضفى على التجربة بعداً إنسانياً وعمقاً ثقافياً نادرًا ما يتوفر.
عدالة أكاديمية بلا تمييز
كان الإنصاف سمة بارزة في تعامله مع الطلاب، فلا مجاملات ولا تمييز، بل معيار واضح هو الجهد والجدية والرغبة الصادقة في التعلم. وكنتُ على يقين أن الشدة التي تظهرها اليوم هي رعاية لمصلحة الطالب ومستقبله، وهذا ما جعلني أُقدرها وأعتبرها قاعدة صلبة للبناء العلمي السليم.
رعاية المواهب.. وحاضن الإبداع
لم يكن دوره مقتصراً على المحاضرات، بل كان رائداً في دعم المواهب الأدبية، مشجعاً للندوات، ومنظماً فعاليات لغرس حب اللغة العربية والاحتفاء بها، مثل يوم اللغة العربية العالمي، مساهمًا بذلك في بناء جيل مثقف ومبدع.
شخصية أردنية راسخة في فضاء الأدب
يمثل الدكتور ريحان المساعيد نموذجاً للأكاديمي المخلص لوطنه، الذي يرفع من شأن الأدب الأردني والعربي من خلال عمله الدؤوب، وحرصه على تخريج طلاب يتمتعون بفهم متعمق وقدرة على التميز في ميادين الأدب والثقافة.
خاتمة: وفاء بمداد الاحترام
وفي ختام هذه الشهادة، أؤكد بكل صدق وامتنان أن الدكتور ريحان المساعيد هو أحد أهم المعلمين الذين تركوا أثراً عميقاً في مسيرتي العلمية، وأستاذ بكل ما تحمله الكلمة من معنى، شكرًا له على كل ما غرسه من علم ومحبة في قلبي..