الحدود المشتعلة بين كمبوديا وتايلاند تضع المنطقة على حافة حرب شاملة، وسط جهود دولية للتهدئة ومناشدات لوقف إطلاق النار بعد سقوط عشرات القتلى ونزوح عشرات الآلاف.
دعت كمبوديا، السبت، إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار مع جارتها تايلاند، بعد اندلاع أعنف موجة اشتباكات حدودية بين البلدين منذ أكثر من عقد، خلّفت 33 قتيلًا على الأقل، وسط استخدام للطائرات الحربية والدبابات والقصف المدفعي.
وشهدت عدة مناطق متنازع عليها على طول الحدود الممتدة لأكثر من 800 كيلومتر، تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق منذ عام 2011، دفع مجلس الأمن الدولي إلى عقد جلسة طارئة، كما تسببت المعارك في نزوح أكثر من 138 ألف تايلاندي و35 ألف كمبودي.
وقال السفير الكمبودي لدى الأمم المتحدة، تشيا كيو، عقب الاجتماع المغلق لمجلس الأمن في نيويورك: "نطالب بوقف فوري لإطلاق النار، دون شروط مسبقة، وندعو إلى تسوية سلمية للنزاع".
من جانبه، اعتبر وزير الخارجية التايلاندي، ماريس سانغيامبونغسا، أن بلاده تتعرض لانتهاك لسيادتها، داعيًا كمبوديا إلى "إظهار مصداقية حقيقية" والدخول في حوار ثنائي، في حين أكد متحدث الخارجية التايلاندية استعداد بانكوك للتفاوض، حتى عبر وساطة ماليزية، لكن دون استجابة حتى الآن.
ويتبادل الطرفان الاتهامات بشأن من بدأ إطلاق النار أولًا، بينما تتهم كمبوديا الجيش التايلاندي باستخدام ذخائر عنقودية، وتتهم تايلاند جارتها باستهداف منشآت مدنية، بينها مستشفى ومحطة وقود.
من جانبه، تدخل الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبر منشور على منصته "تروث سوشال"، معلنًا أنه تواصل مع قادة البلدين أثناء تواجده في إسكتلندا، داعيًا إلى تهدئة فورية.
بدورها، أعربت المملكة العربية السعودية عن "قلقها البالغ" من تصاعد التوترات، ودعت في بيان رسمي الطرفين إلى ضبط النفس والاحتكام إلى الحوار والوسائل الدبلوماسية، مؤكدة أهمية احترام القانون الدولي ومبادئ حسن الجوار.
وفي الداخل التايلاندي، قام رئيس الوزراء الأسبق تاكسين شيناواترا بزيارة بعض الملاجئ التي تأوي النازحين، قائلًا إن على الجيش "إكمال عملياته قبل بدء أي حوار"، ما أثار جدلًا في الأوساط السياسية.
وتعود جذور النزاع إلى خلاف تاريخي حول ترسيم الحدود، وتحديدًا بشأن معبد متنازع عليه، سبق أن حكمت محكمة العدل الدولية بملكيته لصالح كمبوديا في عامي 1962 و2013، إلا أن المنطقة المحيطة به لا تزال بؤرة توتر مزمنة.
وفي مايو الماضي، شهدت منطقة "المثلث الزمردي"، حيث تلتقي حدود كمبوديا وتايلاند مع لاوس، مواجهات أسفرت عن مقتل جندي كمبودي، ما زاد من الاحتقان بين البلدين
وازدادت الأمور تعقيدًا الشهر الماضي عندما سرّب رئيس الوزراء الكمبودي السابق، هون سين، تسجيلًا لتصريحات أدلت بها رئيسة الوزراء التايلاندية بايتونغتارن شيناواترا بشأن النزاع الحدودي، ما فجّر أزمة سياسية داخلية في تايلاند انتهت بتعليق مهامها بقرار من المحكمة الدستورية.
وتبقى الأوضاع على الحدود هشة، وسط تحذيرات دولية من أن استمرار التصعيد قد يقود إلى نزاع مسلح مفتوح في منطقة جنوب شرق آسيا.