في زمنٍ لم يعد يشبه الأمس! وفي واقع تتوالى فيه المتغيرات بسرعة تفوق التصور! نعيش اليوم وسط سلسلة من التناقضات التي تتسلل إلى تفاصيل حياتنا دون أن نستأذنها ودون أن نملك أحيانًا خيار مواجهتها ،، تتقلب أوضاعنا الاجتماعية كما الطقس
تارة نغرق في التقاليد،، وتارة نلهث خلف الحداثة
نعيش ازدواجية التفكير والسلوك ما بين الأصالة التي نُرددها و الأنماط الغربية التي نمارسها دون وعي في البيت في المدرسة في الشارع تغيرت الملامح وتبدّلت طرق التواصل وتبددت الفطرة التي كانت تحكم علاقاتنا ببعضنا البعض..
أما التعليم؛ الذي كان يومًا ما مرآة للاستقرار فقد أصبح هو الآخر مرآةً للارتباك! تبدلت المناهج،، وتغيرت الأولويات،، وتعمّقت الفجوة بين الطالب والواقع! لم يعد التعليم مجرّد نقل للمعرفة؛ بل صراع بين الأساليب ورغبة في التأقلم مع عالمٍ متسارع لا ينتظر أحدًا وبين بيئة صفية متذبذبة وطموحات أسرٍ تبحث عن الأمان..يقف الطالب مشتتًا يبحث عن ذاته وسط دوامات التغيير!
وحين ننتقل إلى الساحة السياسية؛؛ فإننا نجد أنفسنا أمام مشاهد يومية من التقلبات والتحولات أخبارٌ متلاحقة أزمات متجددة وخطابات متضاربة..
هذا الكم الهائل من التحفيز العاطفي والمعلوماتي ترك أثرًا عميقًا في نفوس الجيل الجديد الذي نشأ وهو يرى الاستقرار النفسي حلمًا فبعضهم انسحب من ساحة الاهتمام وآخرون فقدوا ثقتهم بكل شيء في ظل غياب خطاب يربط بين الوعي والانتماء…
ومع مرور الوقت تغير شكل علاقاتنا الإنسانية؛ لم تعد المواقف تُفهم ببساطتها؛ بل باتت تحمل أوجهًا متعدّدة!وتفسيرات معقدة! غابت العفوية، وحضرت الشكوك.. حتى صار التواصل فعلًا محفوفًا بالحذر وكأننا نسير على أطراف الكلمات لا نريد أن نخطئ ولا نعرف كيف نُصيب!
في ظل كل هذه التناقضات نشأ جيلٌ يعيش وسط عواصف التضاد جيلٌ يرى بعينيه الفجوة بين ما يُقال وما يُمارس ويشعر بثقل العالم فوق كتفيه وهو لم يخطُ بعد أول خطواته بثقة…
هو جيلٌ واعٍ، لكنه مرهَق ،،قوي لكنه هش من الداخل،، متعلم لكنه يعاني من ضبابية الاتجاه!!
لهذا كله؛ نحن بحاجة إلى إعادة تشكيل خطابنا التربوي والاجتماعي، ليكون أكثر وعيًا بتلك التحديات، وأكثر احتضانًا لواقع الجيل.
لا نحتاج فقط إلى تعليم جديد،، بل إلى وعي جديد.
إلى قيم ثابتة تُغرس بوعي، لا تُفرض بالقوة،، إلى تربية تؤمن بالمرونة وتُعلّم الصبر وتحتوي التناقض دون أن تنهزم أمامه..
هذا الجيل بحاجة إلى أن يعاد تعريف حب الوطن في وعيه،، بحاجة إلى أن يدرك أن الانتماء ليس *تسحيجا* ولا تملقا أعمى؛بل وعي يبنى وإيمان راسخ بأن حب الوطن موقف لا هتاف،، وضمير لا دعاية..
لعلنا بذلك نعيد لهذا الجيل توازنه، ونفتح له طريقًا يسير فيه بثبات في زمنٍ لا يثبت على حال،، فالانتماء الحقيقي هو ذاك الوعي الذي يمارس بصدق، لا يؤدى على خشبة مسرح!..