قلما تجد ملكاً حاكماً قد جمع كل صفات القيادة معاً، مثلما توافرت واجتمعت في شخصية جلالة المغفور له الملك عبد الله الأول، فقد بدأت القيادة في شخصيته من لحظة مشاهدته نفي والده النفي الأول عام 1893م حين كان حاضراً عملية النفي وقد غادر معه وهو ابن 11 ربيعا .
الملك الشهيد عبدالله الأول ولد بمكة المكرمة عام 1882م وتلقى علومه في الأستانة أثناء إقامة والده هناك،وعاد إلى الحجاز عام 1908م، وكان قد تلقى تعليمه على أيدي عدد من العلماء مثل الشيخ ياسين البسيوني والشيخ عثمان التميمي والشيخ عبد الحق هندي، وقد كان عبد الله بن الحسين يقول عن الشيخ عثمان معلم الخط انه ( كان يجعلنا ننسخ مائة سطر يوميا).
عبد الله الأول طيب الله ثراه القائد العسكري في جيش الثورة العربية الكبرى ، وزير الخارجية في اول حكومة عربية ، شخصيـة قومية ذات فكر ثاقب يقرأ المستقبل ، ويسبق عصره بكثير . وقد ظهر التصميم واضحاً عندما انتقل جلالته إلى معان ومن ثم بدأ يستعد للانتقال إلى عمان، فقد تلقى رسالة تهديد من متصرف السلط يطلب فيها من الملك عبد الله أن لا يأتي إلى شرق الأردن فكان جواب جلالته هو كالتالي:-
"إنني سأزور شرق الأردن زيارة احتلالية وأنا انوب الآن عن جلالة الملك فيصل، فاعلم إن من واجبك تلقي الأوامر من معان وإلا فسأعين غيرك محلك" .
والموقف الثاني في محطة الجيزة في عمان عندما اعترضه الشيخ يوسف ياسين على باب القطار وحاول منع جلالته من النزول قائلاً: "أرجوكم أن تعودوا إلى معان فان المعتدين الانجليز في شرق الأردن قد انسحبوا إلى فلسطين واخلوا السبيل لفرنسا كي تخرجكم إن دخلتم " فأجابه عبد الله:- " لا بأس عليك ولا خوف علينا" ثم دفعه عبد الله لقد ظهرت شخصية جلالة الملك عبد الله بشكل جليّ في مرحلة تأسيس دولة شرق الأردن ولم تكن الظروف باليسيرة حينها ... ففرنسا من جهة لا ترضى على ذلك لان عبد الله نصّب نفسه نائباً لشقيقه "فيصل ملك سوريا" ،ولأنه دعا أحرار سوريا للالتحاق به في معان، للبدء بالثورة من جديد على درب تحرير الارض والانسان
شهدت فترة تأسيس الدولة من عام 1921 وحتى عام 1925م أحداثا جساماً بسبب الاطماع في ارض العرب ،والاختلاف في الاتجاهات ،وقد واجهها جلالته بمقدرة وثبات وشجاعة ،وحدث ان كانت هناك بعض الاضطرابات وهو خارج البلاد ، وحال عودته خاطب الامة بقوله:
"إنكم تعلمون أننا قدمنا إلى هذه الديار ونحن لا نالوا جهداً في خدمتها وتحسين مشورتها، وغرضنا الوحيد من كل مسعى إليه هو الوصول إلى الغاية التي نتطلبها كلنا وهي تحرير بلادنا جميعاً تحريراً تاماً بالحكمة والنظام.
ويتحدث في الخطاب عن جانب من شخصيته الملتزمة فهو يقول : (" أنا لا أخون الله والأمانة التي أُودعت اليّ ، بل اجهر بالحق ليسمع الجميع").
ويتحدث في موقع آخر من الخطاب:
"أنا لست بالجبان، وإذا وقعت مصيبة فلا بدّ لي من الموت. غير أنني في الأربعين وباستطاعتي أن اخدم أمتي فلا أريد أن أضحي بنفسي من غير روية فأُولب على العرب دولتين عظيمتين..).
وأيضا يقول:
" إن المقاومة التي تجلب الشر ليست سوى جريمة، والشجاعة الحقيقية هي في معرفة الإنسان نفسه وسلوكه سِلك الحق والحكمة، وأن يسعى قبل كل شيء في إعداد نفسه ليكون (رجلاً أو أمَة)" .
وهو يقول:- " نعم أنا رجل للحجاز وسوريا وفلسطين واليمن ونجد وكل بلد عربي، وسأبقى عربياً أعيش للأمة العربية كلها واشهد الله أنني لأتألم لكل كارثة تقع على العرب، لذلك فاني أود أن لا تحمل نصائحي على غير اليقين بأن الحقيقة يجب أن تقال وان تسطع كالشمس ليراها الجميع..."
شخصية هاشمية تتصل ببيت النبوة ،بيت الرفادة والقيادة،وبيت الدولة وجلالته يتحدث عن البيت الهاشمي فيقول : ""أننا نحن آل البيت السبب الأول في رفعة العرب فمجدهم الأول انبثق من بين يدي محمد صلى الله عليه وسلم ومجدهم الثاني انبثق من بين يدي باعث الثورة العربية الكبرى الحسين بن علي".
انعقد المؤتمر الخاص لرؤس أركان الجيوش العربية في عمان في نيسان 1948 وانتخب الملك عبد الله بن الحسين قائداً للجيوش العربية في فلسطين عام 1948م ، ومارس جلالته القيادة،...ونصح العرب كثيرا برؤية المستقبل انطلاقا من الواقع ولكن بعد أكثر من خمسين سنة اخذ العرب يدركون حكمة جلالته وبُعد نظرهِ.
كان يقرأ المستقبل بناء على معطيات الراهن ، ونصح العرب بدراسة كل مشاريع الحلول بروية وتعمق ولكن .......... الملك عبدالله الأول شخصية هاشمية نهلت قيم الأصالة في التنشئة من بيت هاشم فاكتسبت العراقة ، واكتوت بنار الأحداث الجسام فكانت هي الشخصية القيادية الحاذقة الواعية العادلة، التي ارتفعت وسمت فوق كل قضايا .
لقد كتب جلالته في مذكراته كتاباً خاصاً اسماه "من أنا" وهو هدية جلالته للجيل الواعي الذي يهدف منه أن يعرف الإنسان العربي أين يقف على هذه الخريطة وكيف يمكنه أن يتحرك لتحقيق وجوده وكيانه.
وتحدث في الثورة العربية الكبرى كقائد فيها وكيف انها ثورة نهضة من اجل كرامة وسيادة الامة ، وكتب عن قصة الدولة الاردنية وتأسيسها وكيف نهضت رغم كل التحديات والمخططات المناهضة لقيامها ، وكتب عن فلسطين بصراحة متناهية ووضع الحقائق التي علينا ان نعيد قراءتها ،وعن دور الجيش العربي الاردني خاصة في الحفاظ على القدس التي هي من أعز ما كان في وجدانه .
وسار في بناء الدولة الاردنية وحقق الاستقلال التام وخطب يومها في 25 أيار 1946م يقول : " وانه لمن نعم الله أن يدرك الشعب بأن التاج معقد رجائه ورمز كيانه ومظهر ضميره ووحدة شعوره. بل انه لأمر الله ووصية رسله الكرام أن يطالع الملك الشعب بالعدل وخشية الله لأن العدل أساس الملك ورأس الحكمة مخافة الله.
وأننا في مواجهة أعباء ملكنا وتعاليم شرعنا وميراث أسلافنا لمثابرون بعون الله على خدمة شعبنا، والتمكين لبلادنا والتعاون مع إخواننا ملوك العرب ورؤسائهم لخير العرب جميعا ومجد الإنسانية كلها."
كان الاستقلال الاردني خادما للامة العربية وقضاياها العادلة ، فحقق وحدة الضفتين وارسى قواعد الديمقراطية وثبت اركان الدولة العربية الاردنية الهاشمية ، وتطلع الى المستقبل العربي ، ولكن ليكون موعده مع القدر يوم العشرين من تموز 1951،يلقى ربه شهيدا في المسجد الاقصى الذي دافع عنه، وعلى بعد أمتار من ضريح والده الشريف الحسين بن علي صاحب أول نهضة عربية وخادم المسجد الاقصى بتنفيذ أول اعمار له .
الشهيد الملك عبدالله الأول بن الحسين: شخصية عسكرية المنشأ، هاشمية التربية، عربية التطلع قومية الرؤى، شخص سابق لعصره ،صاحب منهج رشيد وارث مجيد واسفر تحمل الحقيقة .
والاردن على الدرب يسير برؤية هاشمية ثاقبة ، وحرص على خدمة قضايا الامة العربية على كل صعيد بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين .
ويؤمن جلالة الملك عبدالله الثاني أن المستقبل لمن يراه