في وطنٍ لا تَغفو فيه العزائم، ولا تعرفُ هممُ شبابهِ التراخي، تنبعث من كلِّ زاويةٍ فيهِ مبادراتٌ تشهد أن الوطن ما زال يزرعُ في قلوب أبنائهِ النُّبل والانتماء. ومن بين تلك المبادرات المتفرِّدة، يشرق البرنامج الوطنيّ الصيفيّ "بَصْمَة"، الذي أطلقته وزارةُ التربيةِ والتعليم الأردنيّة، كخُطوةٍ رائدةٍ تستهدفُ بناءَ الإنسان قبل البُنيان، وتشكيلَ الوعي قبل الشهادات.
"بصمة"... الاسمُ ليسَ شعارًا، بل هو رسالةٌ متكاملة، تترجمُ الإيمانَ العميق بأنّ كلَّ شابٍّ أردنيٍّ قادرٌ على أن يتركَ بصمتَه على وجهِ الوطن، وأن يُعيدَ تشكيلَ ملامحِ المستقبل بقيمٍ من العطاءِ، والانتماءِ، والولاءِ، والمواطنة الصالحة.
يأتي هذا البرنامج ضمنَ إطارٍ وطنيٍّ شموليٍّ يعكسُ رؤيةَ جلالةِ الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظّم – حفظهُ الله – في تمكينِ الشباب، وتفعيلِ دورهم القياديّ، وتوجيه طاقتهم نحو ميادينَ الإنتاج والبناء. فما بين ورشاتِ العملِ، والمشاريعِ التطوعية، والأنشطةِ التثقيفية، والتدريباتِ المهارية، ينخرطُ الطلبةُ في تجربةٍ نوعيّة، تتجاوزُ حدودَ العطلة الصيفية، لتغدو مدرسةً حيّةً للقيادة، والإبداع، والعمل الجماعي.
ليست "بصمة" برنامجًا تقليديًا، بل هي روايةُ شبابٍ يصنعونَ الفرق. فها هي الفرق الطلابية تتوزّعُ في المدارس والمجتمعات المحليّة، تحملُ فكرًا ناضجًا وسواعدَ متحمسة، تغرسُ شجرةً، ترمّمُ حائطًا، تنشرُ التوعية، تُبدعُ في مجالاتٍ عدّة: من الفنونِ إلى البرمجة، ومن الزراعة إلى الريادة.
ولعلّ أجمل ما في هذه المبادرة أنّها تُخرِجُ الطالب من محيطِ الكتابِ والمقعدِ، لتضعَه في قلبِ الحياةِ، فيمارسُ المسؤوليةَ، ويتذوّقُ لذّةَ العطاء، ويُدركُ أنّ الوطنَ ليسَ أرضًا فقط، بل هوُ فعلٌ يوميٌّ من الحبِّ والبذلِ والإخلاص.
ومن هنا، فإنّ "بصمة" لا تُعطي وقتًا مفيدًا للشباب فحسب، بل تَبني فيهم القيم التي تُشكّل لبِنات الدولة المدنيّة الحديثة: الاحترام، والمبادرة، والعمل التطوعيّ، والتسامح، والانضباط، والانتماء الحقيقيّ.
وها هو الصيف الأردنيّ، على غير العادة، يتحوّلُ إلى موسمٍ للحركة لا للسكون، وإلى زمنٍ يُستثمرُ فيه الوعيُ بدل أن يُهدر، إذ تُضاء المدارسُ من جديدٍ، وتنبضُ الساحاتُ بالحياةِ والفرحِ والمغزى.
وبين كلّ نشاطٍ وآخر، وبين كلّ كلمةٍ ملهمةٍ يسمعها الطالب من مشرفٍ أو قائد، تنمو في داخلهِ "بَصمةٌ" خفيّةٌ... لا تُرى، ولكنها تُغيّر. بصمةٌ ترسُمُ على جبينهِ ملامحَ المواطنِ المسؤول، وتصنعُ من لحظاتِ الصيف نواةَ مستقبلٍ أكثر وعيًا وجمالًا.
شكرًا لوزارة التربية والتعليم التي لا تكتفي بنقلِ المعرفةِ داخل الغرف الصفية، بل تصرُّ على صناعة الإنسان في كلِّ زاويةٍ من الوطن.
شكرًا لكل قائدٍ تربويٍّ، ومشرفٍ ميدانيٍّ، ومعلمٍ مشاركٍ في هذا المشروع. أنتم من تزرعون اليوم، وتحصدونَ غدًا وطنًا أكثر إشراقًا.
وفي الختام... "بصمة" ليست فعاليةً صيفيّة، بل مشروعُ حياة، تتشكّل فيه الهوية الوطنيّة، وتُسقى فيه جذورُ الانتماء، لينمو الوطنُ في قلوب شبابهِ كما تنمو الأشجارُ في ترابِهِ.