انتهينا من الإنتخابات النيابية للمجلس العشرين قبل أقل من سنة تقريباً حيث تركت فينا ما تركت من فرقة وجفاء ومشاحنات وقطع علاقات، وبالمقابل من خذلان وندم أحياناً وعض على الأصابع، وفي كل مرة يعترف الكثير منّا بأنه أخطأ وسيكون له هذا درساً في الأيام القادمة.. ومنّا الكثير من قرر المقاطعة ولكنهم جميعاً يعودون ليقع الكثير مرةً أخرى بتكرار نفس الخطأ، فهل الخطأ على المواطن الذي تأمل الكثير وكان سقف توقعاته كبير؟ أم على المترشح الذي حالفه الحظ بالنجاح لكنه وجد أن الطموحات تصطدم بتحديات كالجبال في وطن يعاني الفقر والمديونية.. وأن خدمة ناخبية تحتاج الى موازنات دول حتى تستطيع تحقيقها، فضاع بين وعوده التي اطلقها لناخبيه وبين قلة حيلته لتلبية معظم مطالبهم، فاضطر إما للتهرب من وجوههم أو لسياسة التخدير والوعود من جديد، وهكذا فقدت الثقة من جديد بموضوع الانتخاب.
ولكننا مقبلين في وطننا الحبيب في الأشهر القليلة القادمة على الإنتخابات المحلية (البلدية، واللامركزية) وهنا ستنشط العلاقات والزيارات والمجاملات والاجتماعات والنفاق بكافة أشكاله، وسترى وجوه ستتواصل معك أو تزورك لأول مره طالبين منك (الفزعة) بالصوت منتخين بك باسم العشيرة او الصداقة أو الزمالة أو بأي مدخل يكونون قد درسوه قبل ملاقاتك محاولين اقناعك بوعود منمقة وبرامج برّاقه، مصرين أن لا يخرجوا من عندك إلا بعد أن يحصلوا منك على وعد بصوت واحد على الأقل، وهكذا يبدأ المسلسل الذي تحدثنا عنه في بداية حديثنا من جديد.
وهنا وحتى نكون على نيرة بهذا المعترك ونتعامل معه بكل حكمة ومصداقية بما يرضي أنفسنا ويريح ضمائرنا ويتفق مع ديننا، فلنتعرف على اشكال وانواع هؤلاء المترشحين حتى نعرف لمن نصوت بما ينصف وطنّا الغالي ويحقق مقولة أن "الصوت أمانه فامنحه لمن يستحق".
إن تصنيف المترشحين يعتمد على نواياهم وجوهر دوافعهم الاخلاقية والانسانية وأن النية قد لا ترى بالعين لكنها تظهر في السلوك قبل وبعد الفوز، ويمكن تصنيف المتقدمين للترشح لهذه المجالس الخدمية بمختلف أشكالها إلى ما يلي:
الصنف الأول: وهم من الفاعلين المحليين المخلصون لخدمة المصلحة العامة ونيتهم هي خدمة الناس بإخلاص وتطوير منطقتهم ويظهرون دوماً تواضعهم وهم على تواصل دائم مع الناس لا يغيبون عنهم تجدهم حاضرين دوماً في أفراحهم وأتراحهم، ينفذون وعودهم، ويتقبلون النقد بكل رحابة صدر.
الصنف الثاني: الإنتهازيون: وهم من يستغلون فرصة الترشح لأغراض مؤقتة مثل (الشهرة والنفوذ الاجتماعي ...) ومثل هؤلاء يظهرون فجأة وفي هذه الأيام ستجد لهم حركة ونشاط غير معتاد يطلقون وعوداً كثيرة ويستثمرون النشاط الاعلامي الشعبي بدرجة كبيرة.
الصنف الثالث: الطامعون في الامتيازات: وهم من يبحثون عن (النفوذ والصفقات، وتشغيل أقارب) فهم ممن يستغلون نفوذهم لمصلحتهم الخاصة ومصالح اقاربهم، ويغيرون مبادئهم حسب المصلحة، ويسعون وراء الصفقات والتعيينات.
الصنف الرابع: المندفعون بلا وعي الترشح بدافع الحماس اللحظي أو تحت تأثير الآخرين دون وعي بالمسؤولية فهم يفتقرون للبرامج وهم سريعو الوعود وليس لديهم خطة.
الصنف الخامس: المخادعون بوجوه زائفة: وهم من يخفون نواياهم الحقيقية عبر شعارات جميلة مثل (اصلاح ، تنمية، دين، شباب، مرأة...) وهم من يستخدمون العاطفة والدين او الوطنية لأغراض خاصة، ولا يملكون رؤية حقيقية.
الصنف السادس: الفارغون: وستجد الكثير منهم في تلك الانتخابات فهم يظهرون لأسباب شكلية مثل (التباهي أو التواجد بإسم العائلة أو العشيرة..) وغالباً هم غير معروفين ويفتقرون الى أي خبرة أو كفاءة، وليس لهم أي أنشطة ويختفون فوراً بعد انتهاء الانتخابات.
هذه بعض الأشكال التي قد تجدونها في الأيام القادمة وتلتقوا بها، وستجدون أن بعض المترشحين يخفون نواياهم خلف حملات وشعارات برّاقه، ونحن هنا لا ننكر الطموح الشخصي لأي مترشح لكن الأهم أن تكون نيته صادقة ومسؤولة.
ختاماً، علينا التمييز بين من يخدم نفسه وبين من يخدم الناس وهذا جوهر اختيار الناخب الواعي، فاعرف لمن تعطي صوتك ووجّه أسرتك بذلك.