الفكرة التي تتسلل إلى عقلك، تلك التي تهمس في أذنك بأنك تفهم كل شيء بشكل مختلف، هي نفسها التي تعيد تشكيل ملامح وجهك كل يوم، أفكارك ليست مجرد كلمات، بل هي أدوات جراحية خفية تعيد نحتك ببطء.
استوقفتني الآية الكريمة (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ على شاكلته فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أهدى سَبِيلًا) ، فلعلها إشارة إلى اختلاف طبائع الناس وميولهم وافكارهم، إن الأفكار التي نقتنع بها تشكل إلى حد كبير ملامح شخصياتنا، وتحدد طريقة تعاملنا مع ما حولنا.
الأفكار التي نتبناها ليست مجرد قناعات عابرة، بل هي قوة خفية تشكل أسس وجودنا. هي التي تصنع حدودنا وتوجه أفعالنا، فإما أن تكون ركيزة لبناء الذات وتحقيق الطموحات، أو أن تكون أغلالًا تكبّلنا في دوامة من القلق والتردد.
تلك القناعة الراسخة داخلك، التي تقنعك أنك تمتلك رؤية أعمق، هي ذاتها التي قد تقودك إلى هاوية لا ترى قاعها لأنك، في نهاية المطاف، لست سوى ضحية لأفكارك ولعقلك.. طريقة تعاملك مع العالم؟ ليست سوى لعبة مرايا، انعكاس لكل ما اخترت أن تؤمن به. إن كنت تعتقد أنك تسيطر على أفكارك، فتذكّر: القيد الأكثر إحكاماً هو ذلك الذي لا تشعر به حول معصمك.
لذلك، تتغير ملامح الناس بشكل كبير بعد أن نتعرف على أفكارهم ومعتقداتهم، خاصةً إذا كانت هذه الأفكار والمعتقدات مؤثرة في سلوكهم وحياتهم اليومية. هذا التغيير قد يكون بتغير تعابير الوجه من خلاله تظهر تعابير جديدة على الوجه تعكس المشاعر والأحاسيس المرتبطة بالأفكار والمعتقدات، على سبيل المثال، قد يبدو الشخص أكثر حماسة أو أكثر غضباً أو أكثر هدوءً بناءً على أفكاره.
كذلك تتغير لغة الجسد كـ تغير طريقة المشي والجلوس والوقوف وحتى طريقة استخدام اليدين بناءً على الأفكار والمعتقدات. بالإضافة الى تغير طريقة الكلام بتغير نبرة الصوت، وسرعة الكلام، وحتى اختيار الكلمات بناءً على الأفكار والمعتقدات.
والأهم من ذلك تغير طريقة التعامل مع الآخرين فقد تتغير طريقة التعامل مع الآخرين بناءً على الأفكار والمعتقدات، فمثلاً قد يصبح الشخص أكثر انفتاحاً وتقبلاً للآخرين، أو أكثر تحفظاً وانعزالاً.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التعرف على أفكار ومعتقدات شخص ما قد يجعلنا نرى جوانب أخرى في شخصيته لم نكن نراها من قبل، مما قد يؤدي إلى تغيير نظرتنا إليه بشكل عام سلبا ام إيجابا.
بشكل عام، يمكن القول أن أفكارنا ومعتقداتنا تشكل جزءاً كبيراً من هويتنا، وبالتالي فإن فهمها يساعدنا على فهم الآخرين بشكل أعمق وأكثر دقة.
ويبقى المطلوب منا أداء الواجبات كل بحسب شاكلته، فمثلا الشخص المبدع (وقد يكون غير عملي)؛ قد يكرس نفسه في إعمار الأرض بتوليد أفكار خلاقة وقد يستعين بالأشخاص لأداء العمل و التنفيذ، وهو تجسيد لقوله تعالى (وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا).
عندما نقتنع بالأفكار ونجعلها مسلمات فهي تتمظهر مباشرة في سلوكنا وتعاملنا وطريقة عيشنا. فلينظر أحدكم من يخالل، ولينظر أحدكم عمن يأخذ أفكاره ، ولينظر أحدكم إلى منبع ومصدر أفكاره قبل أن يقتنع بها ويعتبرها مسلمات فـ والله لن يسلم من تشرب أفكارا جاهلة غير مبنية على مصادر الحق والحكمة. ولا يخفى علينا أن الله هو الحق ومصدره ولا يتمارا اثنان في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو قدوتنا ومنهج تفكيرنا. فما لنا من مصادر قناعاتنا غير كتاب الله وسنة نبيه..
فاحذر كل الحذر من مصادر أفكارك، فانت اليوم نتيجة أفكارك وقناعاتك التي تظهر في طريقة حياتك وفي كل صغيرة وكبيرة تقوم بها.
استخلف الله الناس في الأرض لإعمارها وهو ما يتطلب تكامل وتعاون الناس مع بعضهم البعض، فشاءت قدرته أن يخلقهم مختلفين (يَٰٓايُّهَا الناس إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذكر وأنثى وجعلنكم شُعُوبًا وقبائل لتعارفوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُم). فعلى ما يبدو لي بناءً على فهمي القاصر أن الله يريد بحكمته اختلاف شخصيات وملامح الناس حتى تتكامل الأدوار لإعمار الأرض.
و أخيرا، عندما يرث شخص ما أفكار وصفات معينة فهو ربما اختبار من الله كوراثة المال فهي أرزاق وفي نفس الوقت هي اختبار من الله، وكذا الحال مع اختلاف ملامح الناس.
نحن نمشي في الطريق.. مع الذين يُصدقوننا، يؤمنون بمسارنا.. يعلمون حقا دربنا.. يسابقون الوقت معنا.. يزاحمون الفراغ بالعمل..