في زمنٍ تتعدد فيه منصات التعبير، وتُنشر فيه الآراء بحرية على مواقع التواصل، باتت بعض التعليقات والمشاركات تُكتب بلغة لا تمتّ للأخلاق ولا للتربية بصلة.
شتائم، سخرية، وتجريح يصل إلى حد القسوة، في مشهد يطرح سؤالًا صادمًا: لماذا نستخدم الألفاظ البذيئة؟ ولماذا تجرّنا الكلمات إلى فقدان إنسانيتنا؟
الكلمة سلاح.. فهل نحسن استخدامه؟
استخدام الكلمات البذيئة لم يعد محصورًا في الغضب أو في النزاعات الشخصية، بل أصبح وسيلة ساخرة شائعة للتعبير عن الرأي أو نقد الآخرين.
كثيرون يعلّقون على منشورات إخبارية أو اجتماعية مستخدمين عبارات مؤذية، ظنًا منهم أنها نوع من "النكتة"، أو تنفيس عن الرأي، متناسين أن الكلمة قد تكون أكثر فتكًا من الرصاصة.
ما نراه اليوم من تجاوزات لفظية في العالم الرقمي وفي الواقع هو انعكاس واضح لخلل في التربية القيمية، وليس في التعليم فقط، فكم من متعلم يستخدم أسوأ العبارات؟"
المسخرة ليست حرية
الخلط بين "المزاح" أو "حرية التعبير" وبين الإهانة اللفظية بات خطيرًا.
فليس من حق أحد أن يعبّر عن رأيه بسحق كرامات الآخرين، ولا يحق له أن يُبرر البذاءة بحجة أنه "يمزح" أو "يحكي بعفوية".
والأخطر أن بعض هذه السلوكيات تصدر من فئات متعلمة أو مؤثرة، ما يعطي انطباعًا عامًا بأن التعدي اللفظي سلوك طبيعي.
تأثيرات لا تُرى.. لكنها تُشعر
تشير دراسات اجتماعية إلى أن الكلمات السلبية المتكررة تؤثر على الصحة النفسية، وتضعف احترام الذات، وتُشجع على التنمر والعنف الإلكتروني.
كما تزرع في الأجيال الصاعدة فكرة أن الصراخ والشتم هو السبيل الوحيد لفرض الرأي أو الرد على الخطأ.
"من يظن أن الكلمة السيئة تذهب دون أثر، لا يدرك مدى خطورتها على العلاقات، وعلى بيئة النقاش، وحتى على صورة المجتمع أمام نفسه."
هل نسينا أننا تربّينا على الاحترام؟
مهما كان حجم الخطأ، أو الاختلاف في الرأي، فإن الأساس الأخلاقي الذي نشأنا عليه علّمنا أن نردّ بالكلمة الحسنة، وننتقد بأسلوب راقٍ وبنّاء.
فلماذا نترك كل هذا ونلجأ إلى أقبح الكلمات وأكثرها تجريحًا؟ هل أصبح السبّ أسهل من التفكير؟ وهل فقدنا القدرة على ضبط النفس؟
المطلوب: وعي لا رقابة
لن تُحلّ المشكلة بالحظر فقط، بل بالوعي. الحل ليس بإغلاق التعليقات أو حظر الحسابات، بل بتعزيز ثقافة الحوار المحترم، وبناء جيل يعرف كيف يعبّر عن رأيه دون أن يُهين، وكيف يقول "لا" دون أن يجرح.
الكلمة مسؤولية.
التعبير لا يعني التحقير.
المزاح لا يبرر الإهانة.
والاختلاف لا يفسد للود قضية.
نحتاج إلى أن نعيد الاعتبار للكلمة.
نحتاج إلى أن نتذكر أن الاحترام ليس ضعفًا، وأن الصراخ ليس رأيًا، وأن الألفاظ البذيئة ليست بطولة.
ففي كل مرة نكتب فيها تعليقًا أو ننطق فيها بكلمة، فلنتذكر أنها إما ترفعنا، أو تهوي بنا.