تكررت زياراتي إلى رئيس الديوان الملكي يوسف حسن العيسوي وفي كل مرة كنت أحمل بين يدي ملفًا أو طلبًا أو قضية وفي كل مرة كنت أظن أن الرجل قد ملّ كثرة الوجوه وتكرار القصص وتشابه الأوجاع .
وكنت أتردد قبل الدخول كأن شيئًا في داخلي يقول ربما لن يملك هذه المرة الصبر ولا الوقت وربما يعتذر بلطف أو يحيل الأمر إلى موظف آخر .
لكنني كنت أُفاجأ به في كل مرة بوجهه البشوش وصوته الهادئ وإنصاته الصادق وقلبه الذي يتّسع كأنّه لم يسمع شيئًا من قبل كأنها المرة الأولى وكأنك الوحيد بين آلاف المراجعين .
هذا ليس انطباعًا شخصيًا فقط بل سلوك دائم يعرفه كل من قصد يوسف العيسوي فهو لا يستقبلك كمراجع عابر ولا يعاملك كمهمة إدارية ولا ينظر إليك من برج عالٍ
بل كأخ لك في المواطنة وشريك في الهم وصوت يحرص أن يصله للقيادة كما هو دون تزيين أو تهميش .
إنه لا يملك من الوقت ما يكفي الجميع لكنّه يملك من الرحابة ما يجعل الجميع يشعر أنه في حضرة رجل من معدن نادر
لا يتكلف تواضعًا ولا يتظاهر سماحة بل هو هكذا بطبيعته
بأصله بقيمه التي تربّى عليها رجل الدولة الذي لا يفصل بين القصر والميدان ولا يفرّق بين المناصب والناس .
في كل لقاء معه كنت أخرج بانطباع جديد عن معنى الوظيفة العامة كنت أخرج بأمل بمعنى بقناعة أن الدولة ما زالت بخير
ما دام فيها من يشبه يوسف العيسوي في قربه من الناس
وحِرصه على أن يكون الديوان الملكي بيتًا حقيقيًا لكل أردني لا يملك إلا كرامته وصوته .
يوسف العيسوي لا يوصل رسائل جلالة الملك فقط
بل هو ترجمة حقيقية لها
ببساطته
بحكمته
بصدقه
حين يتحدث عن الملك فإنك تسمع عن رؤية لا عن تعليمات
وحين يردّ عليك فإنه لا يعِد بما لا يملك
ولا يفتح الأبواب على شعارات
بل يفتحها على احتمالات مسؤولة وممكنة .
هو يدرك أن بعض الطلبات صعبة أو غير قابلة للتنفيذ
لكنه لا يردّها بفتور
بل يشرح
يُقدّر
يتفاعل
وإن عجز عن الحل فإنه لا يعجز عن حفظ الكرامة
ولا يترك أحدًا يخرج من بابه مكسورًا أو مهزومًا .
هذا هو الفارق
وهذا ما يجعل الرجل محل احترام الجميع
في السياسة
وفي الإدارة
وفي المجتمع
يوسف العيسوي مثال نادر
لرجل جمع بين الحزم والرقة
بين الهيبة والبساطة
بين الموقف والتواصل
بين حب الناس وولائه المطلق للوطن وقيادته
وحين نقول إنه يستحق الوفاء والتقدير
فلسنا نجامله
ولا نرفع من شأنه بالمبالغة
بل نقول شيئًا يعرفه كل من زاره وكل من سمع عنه وكل من تعامل معه .
إنه من أولئك القلائل الذين كلما اقتربت منهم زاد احترامك لهم
لا يُبهرك منصبه
بل يُدهشك خلقه
ولا تهمك رتبته
بل تهمك طريقة تعامله مع الإنسان
في زمن تتداخل فيه الأصوات وتضيع فيه الكثير من المعاني
يبقى وجود شخصية مثل يوسف العيسوي ضرورة وطنية وأخلاقية
لأنه يذكّرنا أن الدولة ليست هيبة فقط بل قلب أيضًا
وأن المؤسسة ليست جدارًا بل وجهًا حيًا يعرف أن الإنسان هو جوهر أي نظام .
تحية لرئيس الديوان الملكي
الذي لم يغلق بابه في وجه أحد
ولم يتعالَ على مواطن
ولم يتردد في الإصغاء
تحية لرجل أدرك أن المسؤولية ليست سلطة بل تكليف
وأن الوطن لا يُبنى بالصوت العالي بل بالسمع العميق
ولا يُدار بالإجراءات وحدها بل بالقلوب أيضًا .
نعم يوسف العيسوي يفتح أبواب الديوان
لكن الأجمل أنه يفتح أبواب الطمأنينة فينا
ليقول لنا
إن الدولة ما زالت تنبض
وأن في مؤسساتها رجالًا من معدن مختلف .
حفظ الله الأردن وحفظ الله جلالة الملك عبدالله الثّاني بن الحسين وولي عهده الأمين.