في كل عام، ومع حلول السادس والعشرين من حزيران، يستوقفنا اليوم العالمي لمكافحة المخدرات، لا لنحصي الأرقام والإحصائيات، بل لنسترجع أسماء الرجال الذين صنعوا المجد بصمت، ومضوا في دروب الظل ليضيئوا الطريق لنا ولأبنائنا.
"ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا".. شعار نردده، لكنه لا يعيش إلا في صدور من وهبوا حياتهم فداءً للحياة، ووقفوا سدًا منيعًا في وجه من أرادوا إغراق المجتمع في ظلمة الإدمان والتفكك والخراب.
فما بال القلوب ترتجف إذا ذُكر الشهداء؟ وما بال العيون تفيض إذا كُتبت أسماؤهم على جدار المجد؟
لأنهم رجال مكافحة المخدرات... أولئك الذين خاضوا حربًا بلا هدنة، وأدّوا واجبهم في ساحةٍ لا تُرى فيها البنادق، ولكنها لا تقل خطرًا عن ميادين القتال.
خرجوا في ساعات الفجر الأولى، وفي عيونهم نور الواجب، وعلى أكتافهم عبء الأمانة. كانوا يعلمون أن الطريق محفوفٌ بالمخاطر، لكنهم لم يتراجعوا، ولم يتخاذلوا، لأن الوطن أغلى، ولأن الجيل أمانة، ولأن السمّ الزاحف لا يواجه إلا برجالٍ عاهدوا الله أن لا يهنوا ولا يستكينوا.
هؤلاء هم شهداء الواجب، أبناء الوطن البررة، من تركوا فينا حسرةً ممزوجةً بالفخر، وغادرونا بأجسادهم، لكنهم بقوا نبراسًا لا ينطفئ، ورايةً لا تُنكّس، وسيرةً تُروى للأجيال بفخر وعزيمة.
لا تبكِ يا أمّ الشهيد، بل ارفعي رأسك عاليًا، فإن ابنك ما مات، بل خُلّد في سجل الخالدين، وجلس في مقعدٍ صدقٍ عند مليكٍ مقتدر.
لا تحزني، فإن دمعك دعاء، وحزنك شرف، وصبرك درعٌ لنا في وجه هذا السيل الأسود.
في هذا اليوم، نرفع أكفّ الدعاء، لمن مضوا دفاعًا عن الوطن، سائلين المولى عز وجل أن يجزيهم عنا خير الجزاء، وأن يتقبلهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
رحم الله شهداء مكافحة المخدرات... وجعل ذكراهم حياةً تتجدد في ضمير هذا الوطن.