في المشهد المتوتر الذي بدأ في الثالث عشر من يونيو/حزيران 2025 بين إسرائيل وإيران، تتجاوز المواجهة طابعها العسكري لتدخل في عمق حرب نفسية شرسة، تتشابك فيها الأيديولوجيا القومية بالنزعة الاستعلائية الغربية. فقد باتت الحملات الإعلامية المتبادلة سلاحًا لا يقل خطورة عن الصواريخ والطائرات، بل قد يكون أشد تأثيرًا على المدى البعيد، ليس فقط على أطراف الصراع المباشر، بل على المجتمعات الإقليمية والدولية بأكملها.
تكمن خصوصية الخطاب الإعلامي الإسرائيلي والغربي – وفي مقدمته الولايات المتحدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب – في مزيج من النبرة المتعالية والتصريحات المتناقضة. يتحدث الرئيس الأميركي تارة بلهجة الوسيط الدولي الساعي للسلام، ثم ما يلبث أن يعود لتهديد إيران بالاستسلام غير المشروط، ويتجاوز أحيانًا الأعراف السياسية بإعلانه استهداف المرشد الأعلى الإيراني كأحد أهداف الحرب. وسرعان ما يتراجع عن هذا التصريح ليؤكد أن انهيار النظام الإيراني هو "مخرج طبيعي" للعملية العسكرية الجارية.
هذا النمط الإعلامي الذي يزاوج بين الرسائل المتضاربة واللغة الاستعلائية يترك أثرًا نفسيًا عميقًا، ليس فقط على النخبة السياسية الإيرانية، بل على المجتمعات الإقليمية التي تتابع المشهد بدهشة وقلق. إذ يتقاطع مضمون هذه الحملات مع تصور استعماري حديث، يكرّس فكرة "الآخر المتخلف" الذي ينبغي إخضاعه لا التفاوض معه، وهو ما يثير في الشعوب مشاعر الإذلال والتهميش الثقافي والحضاري.
المفارقة أن هذه الحملات، عوضًا عن دفع إيران إلى طاولة الحوار، قد تعزز في وجدانها القومي سردية "الصمود في وجه الاستكبار"، وتغذي خطاب الرفض والتحدي، لا سيما حين تترافق مع تهديدات وجودية أو اغتيالات معلنة أو مساعي لتفكيك النظام. وهنا تكمن خطورة الحرب النفسية: فهي لا تُبقي على مساحة للتهدئة، بل تصنع بيئة متوترة يُنظر فيها إلى التراجع كخيانة، والمهادنة كضعف.
والأدهى أن هذه الحملة الإعلامية الغربية لا تكتفي بتوجيه رسائلها لطهران، بل تخاطب شعوب العالم بأسلوب تحريضي، يفتقر إلى المسؤولية الأخلاقية والإنسانية. فهي تعرض الحرب على أنها حتمية ضرورية، وتبرر الانتهاكات تحت مسمى "تفكيك الخطر الإيراني"، دون اعتبار لضحايا الحرب من المدنيين، ولا للأثر المدمر الذي يمكن أن تخلفه على الأجيال الشابة التي تستهلك هذه الرسائل يوميًا.
إن استخدام الإعلام كأداة إذلال ممنهجة في الصراعات الدولية يهدد ليس فقط قواعد الاشتباك، بل يضرب أسس التواصل بين الشعوب. وفي ظل عالم متشابك، حيث تنتشر الرسائل في لحظات عبر وسائل التواصل وشبكات البث، يصبح كل خطاب محملًا بتأثيرات تتجاوز من أُطلق ضده، لينعكس على وعي ملايين المتلقين في كل أنحاء العالم.
بل إن استمرار هذا النهج في التعاطي مع الخصوم – على أساس التفوق الحضاري والاستعلاء القومي – ينذر بتوسيع رقعة الصراع. فالمنطقة لا تنقصها الشرارات، وما يجري بين إسرائيل وإيران ليس صراعًا منعزلاً، بل عقدة ضمن شبكة من التحالفات والعداوات. ولذا فإن تحويل الإعلام إلى أداة إذلال بدل أن يكون وسيلة لتبريد النزاعات، سيسرّع من خروج الصراع عن السيطرة، ويفتح الباب أمام انزلاقات كارثية قد تشمل ساحات خارج حدود الطرفين.
لقد آن الأوان لإعادة التفكير في دور الإعلام السياسي والدولي، والاعتراف بأن لغة الخطاب، وإن لم تقتل، فإنها توجّه الأسلحة. فحين تتحول وسائل الإعلام إلى منصة للتفاخر بالقوة وإذلال الخصم، فإنها تُسهم في إشعال الحروب بدل إطفائها، وتعمّق الكراهية بدل أن تخلق أملًا في السلام.