لم يكن خطاب جلالة الملك عبد الله الثاني أمام البرلمان الأوروبي خطابًا عاديًا، بل كان قوة ناطقة بالمنطق، وصوتًا عقلانيًا وسط ضجيج العالم المتأرجح على حافة الهاوية.
حمل الخطاب في طياته تحذيرات واضحة من انزلاق المنطقة نحو المجهول، بفعل سياسات تفتقر إلى المعايير الأخلاقية، واستراتيجيات خالية من القيم الإنسانية والمشتركة، وسط صمت دولي مريب. كانت كلمات جلالته بمثابة صرخة ضمير في وجه أحادية القرارات، والعشوائية التي تُهدد استقرار الشرق الأوسط وتدفع به نحو خط اللاعودة.
لطالما حذر جلالته، مرارًا وتكرارًا، من مغبة تجاهل القانون الدولي، ومن انتهاكات تُمارس بحق شعوب بأكملها تُحرم من أبسط حقوقها في الحياة الكريمة. وقد عبّر بوضوح عن قلقه العميق تجاه مستقبل الأجيال القادمة، محذرًا من بيئة ضاغطة تنشأ نتيجة غياب العدالة، وتفاقم الصراعات، وتراجع الاهتمام العالمي بحقوق الإنسان.
في لحظة مفصلية من التاريخ، يسود فيها الاضطراب، يكاد العالم أن يفقد بوصلته الأخلاقية ويتخلى عن قوة المنطق ليحكمه منطق النار والحديد. وهنا تتجلى رؤية جلالته الاستشرافية، التي أكدها في كل المحافل الدولية: لا سبيل للخلاص إلا بالعودة إلى القيم، والتمسك بالقانون الدولي، وإنصاف الشعوب التي لا تزال تئن تحت وطأة الظلم، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني الذي يُحرم اليوم من أدنى حقوقه الإنسانية.
لقد كان خطاب جلالة الملك جرس إنذار في مرحلة متأخرة من سبات عالمي عميق، دعوة للصحوة، وللانصياع لصوت العقل، ولإعلاء المبادئ على المصالح.
حفظ الله جلالة الملك عبد الله الثاني، وولي عهده الأمين، وحمى الأردن وشعبه العظيم.