مع اشتداد وتيرة التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل منذ مطلع يونيو الجاري، ودخول الطرفين في مواجهة مباشرة تُعدّ الأولى من نوعها في التاريخ الحديث، تقف المملكة الأردنية الهاشمية بثقة وثبات في موقعها الإقليمي الدقيق، محتفظة بموقف متوازن، حكيم، ومسؤول، يقوده جلالة الملك عبدالله الثاني بحنكة رجل الدولة، وحسّ القائد الملمّ بتفاصيل الجغرافيا السياسية وتعقيدات المشهد الإقليمي.
ففي الوقت الذي تتطاير فيه الصواريخ والمسيّرات فوق سماء المشرق، وتعصف الأزمات في حدود المنطقة الشرقية والغربية، حرصت القيادة الأردنية على أن يكون صوتها هو صوت العقل، وأن يبقى الأردن بعيدًا عن الاصطفافات الانفعالية أو التورّط في أي أجندات عسكرية لا تخدم أمنه الوطني ولا استقراره.
لقد أكد جلالة الملك عبدالله الثاني – في لقاءات معلنة ومغلقة – أن الأردن يدعو إلى وقف التصعيد فورًا، ويُحذّر من انزلاق المنطقة إلى حرب واسعة لن ينجو منها أحد، لا سيّما الشعوب التي تدفع دومًا ثمن صراعات الكبار.
ورغم حساسية الموقع الجغرافي للمملكة، وتماسّها مع أكثر من بؤرة توتر، لم تشهد الساحة الأردنية أي ارتباك أمني أو سياسي، بل على العكس، اتسمت المواقف الرسمية بالهدوء والصرامة في آنٍ معًا، وبقيت الأجهزة الأمنية والعسكرية في جاهزيتها العالية، مع إرسال رسائل واضحة لكل الأطراف بأن أمن الأردن خط أحمر.
وفي السياق الشعبي، يبرز الوعي الجمعي الأردني الذي اكتسبه من تجارب سابقة، فالمواطن بات يميز بين الحدث وموقع بلاده منه، ويرفض الانجرار وراء الشائعات أو دعوات التحريض الإلكتروني التي تحاول بعض الجهات تسويقها.
الأردن، بقيادته الهاشمية الراسخة، لا يقف متفرجًا، بل يعمل بصمت على دعم الجهود الدبلوماسية لخفض التوتر، وإيصال رسائل التهدئة إلى الأطراف المؤثرة، مستندًا إلى شبكة علاقاته الدولية والإقليمية الواسعة، ومكانته المرموقة كدولة معتدلة تنأى بنفسها عن الصراع، دون أن تتخلى عن مواقفها الثابتة تجاه القضايا العادلة في المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
ولعل ما يميّز هذا الموقف الأردني أنه لا يزايد، ولا يتراجع، بل يمضي في خط ثابت: حماية الوطن، ومنع زعزعة استقراره، والتمسك بالدبلوماسية سبيلاً لحل الأزمات، لا صواريخ السماء.
في زمن الاشتعال، يُثبت الأردن مرة أخرى أن الحكمة أقوى من الانفعال، وأن الحياد الواعي ليس ضعفًا، بل قوة ناعمة تُحترم… وتُحسب.