في الزمن الجوائح للاقلام الشريفة ثلاثة رؤوس ، رأس كالمرهم يعالج ويرمم ، ورأس يطمئن ويشحذ الهمم ، ورأس كالسيف يحصد الاشاعة وابواق الاحباط .
من تعركه الحياة لا تهزه العواصف ولا تقذفه الامواج العاتية ولا يسكره الكرسي الوثير ، قال عن نفسه في سيرة الروائية " انا ابن السراب والهجير والغبار والمدى البني الصحراوي الاجرد ... ابصرت النور طفلا منفردا في حالة حصار في الرويشد ... انا ابن الضناء الذي أناخ عليّ والرجاء الذي اضاء دربي ... عشت بلا سند بلا عضد ما خلا الله ، وامرأة هي امي ... وجد نفسه مستفردا مسه الضرّ والعسر وظل واقفا على رجل واحدة اكثر من نصف قرن ، ووهب الله الطفل حكمة دلته واضاءت دربه في اشتداد الظلمة وانطباق اليأس ... كان ترياقي الصبر فكان الصبر اجمل الحصانات ... لقد نزع الله من قلبي الحسد والغل والكراهية ... فاصبح الطفل الذي ولد في الهجير حصاناً جامحاً صلبا بلا لجام " ،" يلين للريح اذا هزته ليّنة ولا يلين اذا هزته معصافا " .
قالوا عنه : معلم مخلص ، وصحافي جريء امين ، ونائب برلماني جسور ، ووزير متميز ، وسفير غير عادي ، وسياسي موثوق صادق ، وابن بلد متواضع " .
قال الشاعر حبيب الزيودي يصف تواضعه " واجمل ما فيه انه لا يشبه بيوت الوزراء ، بيتك يشبهك ، يشبه نحولك وطولك وسمرتك وشيبك ، بوابته مثل كل الجنوبيين المصابين بفقر الاكف وجود النفوس ، بيتك الواقف بين قصيدتين : صدق القلب من الجهة اليسرى ونظافة اليد من الجهة اليمنى ، وصوتك الواجد الذي لا يشبه اصوات السفراء هذا الحرير المنساب من اللهجة الاردنية التي تختلف عن رطن السفراء " ، " هبهب الياسمين لما تجلى من جنوب الرماح شجو الطيور " .
قال عنه الشاعر عبدالرحيم عمر مدير جريدة الاخبار :" انت يا محمد تتمتع بضمير مهني لم اعهده في احد غيرك " ، نعم ففي قاموس الاعلامي الصادق " القلم مثل الشمس له ضياء ومثل القمر له نور ومثل السيف له حد ومثل الجواد له عنان ومثل البحر له امواج ومثل الانسان له شرف " .
ابا عمر قصة كفاح مذ ولدته امه ، عجينته من اديم هذا الحمى جيناتها الصبر والوفاء والايثار ؛ رائحة الطبشور لا زالت تعطر يديه ؛ طاف في البلاد جنوبها وشمالها شرقها وغورها مدرسا ، فالتدريس نسغ الحكمة ونبراس الحلم ، من عصارة تطوافه في القرى يصف الانسان الاردني " كانوا على فطرة لا تضاهى وعلى براءة اخّاذة وعلى ود باذخ " .
عقول الرجال تحت اقلامها ، "والاقلام مطايا الفطن " ففي حين رأينا بعض الاقلام تنعق بالفوضى والاحباط وبث الاشاعة والسموم في زمن الكورونا ؛ راح القلم الصادق يرعف بالايجابية ويمتح من بئر التفاؤل : " فها هي النواة الصلبة الاردنية تعزف سيمفونية يشارك فيها الشعب كله بانسجام ورضى ، تتوفر في المعزوفة الاردنية اركان السيمفونية وشروطها الاربعة ، التناغم والتتابع والتزامن والتوافق " :
" لا بالمروع اذا اهوالها عظمت ولا المروق اذ زيافها زافا
لا يترك الحق مغبونا لسائمه خسفاً ولا يتعدى الحق حيّافا ".
من حكم معالي الاستاذ محمد داودية ابو عمر في سيرته الروائية :
" انا ارتاب في مطلقي الشعارات الصارخة الذين يطخون في العلالي " .
" منذ كان شعر رأسي اسود وانا اسمع تقييمات واحكام المحللين العباقرة التي تزعم ان البلد واقعة وخربانة ومبيوعة وهشة " .
" هذا اوان عشاق الاردن الذي ما ان تمسح مصباحه حتى يتعالى ويشمخ امامك ماردا فولاذيا ؛ يسند جذعك ويسعد قلبك ويمسح يأسك ويزيل قنوطك ويضخ في عروقك من جبروته وعزمه " .
هكذا تكون الاقلام بريدا للقلب والعقل والوجدان ؛ وهكذا يكون المسؤول في كل مواقعه الوفي وليس العقور ؛ وهكذا يكون النسغ الاردني المرويّ بالصبر والايثار والحكمة .
لطالما كان القلم يفوح بالبر والانتماء ويتضوع بجمع الكلمة ورص الصفوف :
" واسمر طاوي الكشح اخرس ناطق له ذبلان في بطون المهارقِ
اذا استمطرته الكف جاد سحابه بلا صوت ارعاد ولا بارقِ
كأن اللآلي والزبرجد نظمه ونور الاقاحي في بطون الحدائقِ ".