مع بداية كتابتي هذة المقالة يستحضرني مثل شعبي متداول في الاردن ( العرس عند جيرانا والطخ في دارنا ) في الوقت الذي تمر فيه منطقتنا بواحدة من أكثر الفترات تعقيدًا واضطرابًا، يبقى الأردن شامخًا بمواقفه الثابتة، حريصًا على أمنه واستقراره، متسلحًا بحكمة قيادته الهاشمية ووعي أبنائه. وبينما تتسارع الصور والمقاطع المصورة التي تملأ مواقع التواصل الاجتماعي، نجد أنفسنا أمام تساؤل مشروع: ما جدوى تصوير شظايا ومخلفات طائرات مسيرة، وتوثيق كل حدث عابر وكأننا نعيش ساحة حرب؟
لا شك أن التصوير هواية ورسالة، لكنه يصبح في بعض الأحيان معولاً يهدم صورة الوطن دون أن يدري حامله. فمشاهد الحرب والمسيرات في سماء الأردن، رغم محدوديتها، تعطي للعالم الخارجي انطباعًا غير دقيق بأن الأردن طرف في معركة لا تعنيه، أو ساحة مفتوحة لصراعات الآخرين. وهذا ينعكس سلبًا على صورة بلد عرف دومًا بالأمن والاستقرار، خصوصًا في نظر السائح الأجنبي والمستثمر الباحث عن بيئة آمنة.
ومن المثير للمفارقة أن الدول التي تشهد النزاعات مباشرة لا تسمح بانتشار مثل هذه المشاهد عبر وسائلها. قد يكون هناك أمر لا نفهمه، أو قد نحتاج إلى وعي إعلامي واجتماعي يعيد ضبط المشهد، ويدرك أن بعض الصور تحمل ضررًا أكبر من أي فائدة.
أما أولئك الذين يتساءلون: لماذا يتصدى الطيران الأردني للمسيرات الإيرانية ولا يعترض الإسرائيلية؟ فالرد واضح ومؤلم في آن: لأن الطائرات الإسرائيلية لا تمر عبر الأجواء الأردنية أصلًا، بل تنفذ عملياتها عبر مسارات جوية أخرى، تحديدًا من فوق الأراضي العراقية. فمن الأولى أن تُوجه التساؤلات لمن يسمح بمرورها، لا لمن يحمي حدوده.
القوات المسلحة الأردنية الباسلة كانت وستبقى على الحياد السياسي، لكنها على الأرض وفي السماء، تقف كالسد المنيع، تحمي سيادة الوطن وأمن المواطن دون تهاون. لا نصطف مع طرف ضد آخر، بل نصطف مع الأردن، مع أمنه واستقراره، ومع القيادة الهاشمية التي لم تنحرف يومًا عن مبادئها في نصرة القضايا العادلة، مع الحرص التام على مصلحة الوطن.
سيادة الأردن خط أحمر، وأمنه ليس محلاً للمزايدات. وكل مشهد شظية أو مسيرة يجب أن يكون محفزًا لوعي وطني مسؤول، لا مادة للتهويل أو التحريض أو تقويض سمعة وطنٍ لم يعرف إلا الأمن والاعتدال.